ولهذا عوتبوا عَلَى أخذ الفداء منهم في أول قتال قاتلوه يوم بدر، وأنزل قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ...﴾ (١) الآية.
وكانوا قد أشاروا عَلَى النبي ﷺ بأخذ الفداء من الأسارى وإطلاقهم.
قال ابن عيينة: أُرسِلَ محمد ﷺ بأربعة سيوف: سيف عَلَى المشركين من العرب حتى يسلموا، وسيف عَلَى المشركين من غيرهم حتى يسلموا أو يسترقوا أو يفادى بهم، وسيف عَلَى أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وسيف عَلَى أهل القبلة من أهل البغي.
وفيما ذكره نزاع بين العُلَمَاء؛ فإن منهم من يجيز المفاداة والاسترقاق في العرب وغيرهم، وكذلك منهم من يجيز أخذ الجزية من الكفار جميعهم، والذي يظهر أن في القرآن أربعة سيوف: سيف عَلَى المشركين حتى يسلموا أو يُؤسروا، فإمَّا منًّا بعد وإما فداءًا، وسيف عَلَى المنافقين وهو سيف الزنادقة (٢)، وقد أمر الله بجهادهم والإغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وفي سورة الأحزاب، وسيف عَلَى أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وسيف عَلَى أهل البغي، وهو المذكور في سورة الحجرات.
ولم يسل رسول الله ﷺ هذا السيف في حياته، وإنما سلَّهُ علي- ﵁ في خلافته. وكان يقول: "أنا الَّذِي علمت الناس قتال أهل القبلة".
وله ﷺ سيوف أُخر، منها: سيفه عَلَى أهل الردة وهو الَّذِي قال فيه: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (٣) وقد سله أبو بكر الصديق ﵁ من بعده في خلافته عَلَى من ارتد من قبائل العرب.
_________
(١) الأنفال: ٦٧.
(٢) الزنديق: من لا يؤمن بالآخرة والربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان. ترتيب القاموس (٣/
٤٨١).
(٣) أخرجه البخاري (٦٩٢٢) من حديث ابن عباس، وأحمد (٥/ ٢٣١) من حديث معاذ بن جبل.
1 / 229