ثم أوصى سبحانه في هذه الآية بوصية شريفة عنده مكرمة، من الإحسان إلى المماليك العبيد الذين خولهم من يملكهم، والمملوك فهو إنسان كمالكه، وإن كان الله قد جعلهم سخرة لهم، والإحسان إليهم فهو أن لا يقصر في النفقة عليهم عما يغنيهم ويكفيهم، وأن يكسو في البرد والقر ما يدفيهم، وأن يكسو في الصيف ما يواريهم، ويتجاوز لهم إلا في حد من حدود الله، يغفر ذنوبهم، ولا يفرط الفرط الشديد المسرف في شتمهم وسبهم، فإن غلبوا بالمجانة والمعصية فبيعهم أصلح وأسلم، وأشبه بالإحسان وأكرم من تعذيبهم وضربهم، إلا أن يرجو المالك أن ينفع فيهم تأديبهم، فيؤدبهم ويعاقبهم عقابا وسطا، ولا يصير من أدبهم إلى أدب مسرف مفرط ويكون لله سخطا.
ولكن بما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المماليك من الخبر، دلالة على رضى الله سبحانه في الرفق بالمماليك لمن فهم ونظر.
فإنه قد صح في منقول الآثار وما لا شك فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأخبار أنه أوصى في مرضه ونزول موته، فقال نظرا لأمته: ((أوصيكم بالضعيفين المرأة والمملوك)) ([42]).
وذكر أيضا عنه في الوصية بالمماليك أنه قال للأحرار وهو يوصيهم بما ملكت أيديهم، ويعلمهم أن من يملكون بشر كهم يؤذيهم ما يؤذيهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أرقاكم أرقاكم لم يخلقوا من حجر ولم ينحتوا من شجر، أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون))([43]).
صفحه ۹۸