ورأيت والدا، وابنه كان من طلاب مدرستنا، جالسين على الطاولة الملعونة ليلة يوم (رأس السنة) فقلت: يا رجل، ماذا تفعل؟ أتقامر أنت وابنك؟!
فأجابني: ليلة وتمضي، إننا نكشف بختنا في العام القادم.
فقلت له: أتعود ابنك وتخرب بيتك لتتعلق بخرافة؟ الجد يا صاحبي لا يعرف المستقبل فكيف باللعب؟
ودارت بضع سنوات دورتها وصار الشاب في بيروت وأمسى مقامرا من الطراز الأول. وفي الأمس - كما سمعت - باع البيت بعد موت الوالد، حين فرغ من العقارات الأخرى والمنقولات، وهكذا استعجل الفقر قبل أوانه. إذا احتال على أحد ونصب، أكل واكتسى وقامر، وإلا فيقامر بعينيه لأنه عاجز عن ذلك بيديه.
إن آفة هذا العصر تشجبها الأديان والتقاليد، ولكن الناس أعداء أنفسهم، فلا يردعهم وعد ولا وعيد، ولا سيما من تملكته عادة من العادات فإنه يصير عبدا لها.
إنني ألفت نظر القارئ إلى مقالة للمنفلوطي، عنوانها (الكأس الأولى) ففيها العظة لمن يسمح لولده أن يلعب في (رأس السنة ) ليستطلع أنباء عامه قبل أوانه.
وخير ما قرأت في ذم القمار قصيدة نجيب الحداد. فليت المبتلى بهذا الداء يقرؤها، فأنا لا أعرف القمار لأحسن وصفه، كما وصفه الشاعر.
إن القمار لخطر على العزة والكرامة، فكم رجل عبث بالأمانة ليقامر! وكم من امرأة عبثت بأقدس الأخلاق حين أفلست، فتداوت من الداء بالتي كانت شرا من الداء.
أضحكني أحد أصحابي حين لمته على المقامرة فقال لي: وماذا تريد؟ أنا موظف، والقمار وسيلتي للاتصال بمن هم فوقي لأوطد مركزي.
وبعد شهرين عرفت أنه زج في السجن لأنه سرق الصندوق المؤتمن عليه، وهكذا وطد مركزه فصار أمنع من الأهرام.
صفحه نامشخص