والكتاب الذين لم تصادف تآليفهم الأولى نجاحا بل أعادها لهم الناشرون مع الشكر، أو استقبل النظارة تمثيلياتهم بالصفير، ولكنهم ثبتوا بعناد وإصرار حتى بلغوا ما يشتهون، فحسبنا أن نذكر منهم برنارد شو الذي ظل ثابتا حتى بلغ أخيرا ما تمنى وأحله اجتهاده المكان الأسمى.
فالثبات هو الذي حض كبلنغ ابنه عليه ليكون ذاك الرجل، والخصال التي ذكرها في قصيدته، وإن اختلفت تعبيرا، فهي تقريبا واحدة، ولا شك في أنها درجات سلم النجاح في الحياة.
إن الحياة ميدان كفاح أو حقل تجارب، والعمر ساحتها فلا تقل ماذا بقي من العمر، فالشاعر يحث ابنه على ملء الدقيقة الحاضرة من حياته.
فإذا كنت يا أخي قد اكتهلت أو شخت فلا تقل: فلنسترح قليلا. فمن يدري أنك لا تعمل في العام أو الشهر أو اليوم الباقي ما لم تعمله في حياتك كلها؟ إن الحزم يقتضينا المحافظة على الباقي من حياتنا. فعام حافل بالجد والكد قد يكون أجدى من حياة صرفناها بين الإحجام والإقدام.
إن البطل الأمين يقبض على العلم بفكيه إذا فقد يديه، فلنكن ذلك الرجل الذي تمنى شاعر الإمبراطورية العظيم أن يراه في ابنه.
الشجر تتهم البشر
ما أثقلك يا ظلام! وما أقساك يا ليل! فقد زدت الغابة وحشة وأخفيت تحت جناحيك وحوشها المفترسة وناديت الضواري خلا لك الجو.
الغابة في الليل كالمدينة في النهار. في الاثنين ذئاب تخشى أنيابها وبراثنها، ولكن لكواسر المدينة أنيابا من حديد وأظافر من نار، وهي أجرأ وأفتك وأحد نابا من وحوش الغابة.
دخلت الغابة تحت لواء الظلام فهمس الضمير في أذني: امش في النور ما دام لك النور. نعم سمعت صوتك أيها الضمير، ولكن أتجهل أن من أحشاء الغيوم السوداء تنبثق الكهرباء الساطعة؟ ما هذا الصراخ والعويل؟! ما هذا البكاء الجارح؟! أرى أشباح الموت تلوح في الفضاء، وزفرات المنية قد ملأت الغابة. ليست الأشجار ببشر لتزاحم بعضها وتقتتل وتشن عليها الغارة. إذن ما الذي أقلق خاطر الليل، وأزعج بال الهدوء والسكينة؟! لا بد من أن تكون لابن الإنسان يد في هذه الضوضاء وفضل على نشأتها. فلنتقدم وننظر. أما قال الشاعر في ذلك الزمان:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى
صفحه نامشخص