كنا نقول فيما مضى عند التعجيز: إن فعلت كذا أعطيك طربوشي، أو إن صار كذا أحلق شواربي، ولكنني اليوم صرت بلا طربوش ولا شوارب، فما عساني أقول له، وعلى ماذا أخاطره؟ ليس له عندي إلا صندويش لا يحلم بمثله، وهدية المقرف ليمونة حامضة.
الأونسكو وإنتاجنا الأدبي
الكتاب يتيم مسكين في لبنان، وأين يبيت الفقير المعدم!! فالأوادم (الطازة) يبنون قصورا مقببة لا يجد الكتاب فيها مكانا يسند إليه رأسه. والموظفون، كبارا وصغارا، بينهم وبين المطالعة عداوة بيت الأعور، إذا أهديت إلى واحد منهم كتابا فلا يفض بكارته لأنه عنين لا يأتي الكتب.
الأغنياء الطازة لا يطربون إلا لرنة الذهب، وخشخشة الورق النقدي. فاهد إليهم كتابا يعلم الجمع، فما يجديهم كتاب أدب يلهيهم عن الطرح والضرب.
ماذا تقول في موظف كبير يحشر في زمرة الأدباء، تهدي إليه كتابا فتراه بعد حين عند غيره. فوالله لو استطعت استعادة كتابي ذاك لزففته إليه ثانية بطبل وزمر.
يقولون: لبنان بلد الإشعاع، وأين هو الإشعاع؟! وأنت إذا دخلت بيتا من بيوت زعمائه فلا تجد فيه إلا سلاحا عتيقا وحديثا، خناجر وطبنجات، بندقيات ومسدسات، قلما تجد إلى جانبها كتابا أو كراسا. إني أرجو وآمل بعد أن سألتنا منظمة الأونسكو عن محصولنا الأدبي أن نخلص من هزئهم واستخفافهم بالأدب. إذا قيل لهم: فلان عائد من أميركا وهو ملك الأحذية في دار هجرته، حملوه وماركته المسجلة على الرءوس، وإذا قلت لهم: هذا الأديب رفع رأس المغتربين، أشاحوا عنك وعنه بوجوههم مستخفين.
التقيت عند أحد صيارفة بيروت بتاجر لا يملأ العين سمته، فقلت للصيرفي: من هذا الذي تجله كل هذا الإجلال؟!
فقال لي باستغراب وإعجاب: أرأيت (الكمر) الذي على وسطه، إنه محشو بالليرات الذهبية. فقلت: المجد لك أيها الكمر. المجد لك. ورأسه كيف؟ فأجاب: أنا يعنيني خصره.
أبمثل هذا الرأس البور تنمو الكتب الأدبية؟! قالت الصحف: إن الجداول التي أرسلت إلى منظمة الأونسكو تدل على أن الإنتاج الأدبي ضئيل في لبنان. قلت: ولماذا لا يكون ضئيلا، وأحد الأدباء المتظرفين قد أعد خاتما يسم به وجه كتابه: هذا كتاب أهديه لأني لا أجد من يشتريه.
يا لها من دعاية مرة، ويا ذل الكتاب في لبنان. حلو أنت ومر يا سعيد، ولكنك تغمز حمارا، كما قال ابن العميد للصاحب.
صفحه نامشخص