راح يمسح على مؤخرة عنقه، وهو يحاول التذكر، ثم قال: «قبل عامين تقريبا.» - «بعد انتقالك للخرطوم للدراسة؟» - «نعم.»
رحت أسجل بعض الملاحظات، ثم سألته: «ومتى أصابتك أولى نوبات الذعر التي وصفتها؟»
قال وهو يزم شفتيه ويضيق عينيه: «قبل عامين تقريبا. لست أذكر بالتحديد.»
قلت له وأنا أعيد ارتداء نظارتي: «حسنا. أريدك أن تخبرني إن كنت مخطئا، لقد داهمتك أول نوبة ذعر بعد بدء هذا الحلم الذي تصفه في الظهور.»
راح ينقر على سطح طاولة المكتب بأطراف أصابعه بخفة، محاولا التذكر، ثم قال: «نعم، أعتقد ذلك.» - «وكانت النوبة تصيبك بعد أن ترى الحلم دائما، أو تمر بموقف صادم.» - «لم أفهم.»
قلت، وأنا أقلب أوراق مفكرتي: «لقد أصابتك النوبة الأولى - وصححني إن كنت مخطئا - بعد أن حلمت بذلك الحلم في نفس اليوم، أول أيام الجامعة. وأصابتك النوبة الرابعة عندما حلمت بذات الحلم مجددا. بينما أصابتك النوبة الثانية والثالثة بعد حدوث الاشتباكات بين الشرطة والطلاب، في ديسمبر 2011م، ويونيو 2012م. أليس كذلك؟»
راح ينظر لي في اهتمام لأول مرة، وقد اتسعت عيناه قليلا. قال في انبهار: «نعم، هذا ما حدث بالضبط .»
قلت له: «هل تريد أن تعرف ما أعتقده؟ أعتقد أن لنوباتك علاقة بكل ما يمثل لك رمزا للسلطة العسكرية في حياتك، كأفراد الأمن والشرطة، أعتقد أن حلمك المتكرر يرمز لذات الشيء على نحو أو آخر. هناك شيء ذكرته لي من قبل بطريقة عرضية أثناء الجلسات ونسيته فيما بعد، في أول أيامك في الكلية عندما التقيت «هبة» للمرة الأولى، قلت إنك قد رأيت طائرة حربية بطريقة عرضية تحلق من بعيد، ثم أصابتك النوبة الأولى، لم يكن الحدث مهما بالنسبة لك، وعلى نحو ما تسرب للاوعيك، لكنني أعتقد أنه كان المحفز الحقيقي لنوبة الذعر التي أصابتك. رمز آخر للسلطة العسكرية، وأعتقد أن شعور الكراهية الذي وصفته يرتبط بتلك السلطة بنحو أو بآخر.»
وفتحت درج مكتبي، وأخرجت تلك الصحيفة التي أرسلها لي صديقي من دار الوثائق القومية منذ عدة أيام، رحت أبحث عن خبر معين في الصحيفة أمام عينيه المتسائلتين، أخيرا وجدت الخبر المطلوب. قمت بكتابة بعض الملاحظات على مفكرتي، ثم طويت الصحيفة مجددا، وقلت مضيفا: «بحسب بياناتك، أنت ولدت عام 1993م، في منطقة تسمى «أبو حمرة» في شمال دارفور.»
راح ينظر لي في شك، وراحت عيناه الذكيتان تنظران لي، ثم للصحيفة المطوية وكأنه يحاول أن يستنتج ما هنالك. قال في اقتضاب وكأنه أهين: «نعم، شمالي دارفور.» - «تحديدا في قرية (...) بمنطقة «أبو حمرة» غرب شنقل طوباية. أليس كذلك؟» - «نعم، ولكن كيف تعرف ذلك؟» - «قمت بعمل بعض البحوث، أعتقد أنني أعرف سبب ما تمر به، لكنني لست متأكدا بعد.» - «أي بحوث؟ ماذا يوجد في الصحيفة؟»
صفحه نامشخص