وقال له «إبراهيم» ذات يوم، وهما يرشفان الشاي عند «ميري»: «تحبها وتحبك، وتتبادلان عبارات الغزل وقصائد نزار قباني، كل هذا جميل وإنني لأحسدك عليه وعلى علاقتك بأجمل بنات الدفعة. لكن فلنكن صريحين، ما الذي تأمله من تلك العلاقة حقا؟» - «ماذا تعني؟» - «ما هي الخطوة التالية؟» - «سنتزوج.»
قال «إبراهيم» مشفقا: «هل أنت بهذه البراءة فعلا؟ وهل تظن أن والدها سيقبل بك؟!» - «ولم لا؟» - «من هن على شاكلتها يتزوجن من أبناء رجال الأعمال، أو وزراء الحكومة، أو ذلك القريب المقيم في الخارج، والذي ينتظر في شوق اليوم الذي تتخرج فيه حتى يختطفها ويطير بها إلى حيث يقيم، وليس شابا معدما حديث التخرج، يعمل باليومية في السوق الشعبي.»
قال «عمار» في ضيق: «لن أعمل باليومية للأبد، سأجد عملا بعد التخرج.» - «ليست تلك المشكلة، هب أنك وجدت عملا جيدا، وقمت بتغيير وضعك المعيشي، وهذا ما أراه مستحيلا في هذا البلد، لكن ليست تلك المشكلة الحقيقية.» - «وما هي المشكلة الحقيقية؟»
قال «إبراهيم» في بساطة: «يا صديقي الساذج، أنت من دارفور. لن يقبلوا بك زوجا لبنتهم ذات العرق العروبي الأصيل.»
نظر له «عمار» في حدة ولم يرد، من الواضح أنه فهم ما يرمي إليه على الفور. فكر للحظة أن يقوم بخنق «إبراهيم» ليصمت ويكف عن الحديث. وفي الواقع فقد لمس حديث صديقه ذات الوتر الحساس الذي ظل يؤرقه طوال شهور، فحتى هو كان يشعر في قرارة نفسه بنفس الشعور.
الشعور بحرمة تلك العلاقة اجتماعيا بحسب قاضي المجتمع الصارم. الشعور بأن العلاقة بينهما مؤقتة تنتهي بانتهاء مراسم الدراسة، ثم ينتهي كل شيء. لا يوجد أكثر من ذلك.
قالت له «هبة»، وقد جلس ثلاثتهم في مجلس «ميري»، إنها تخشى عليه من بطش الحكومة، وتخشى أن يصيبه مكروه، وطمأنها ألا تحمل هما، فلن يصيبه إلا ما كتبه الله له.
قال «إبراهيم» ممازحا: «وأنا المسكين لا أحد يخاف علي، أو يخشى علي من شيء. راعوا مشاعري.»
قالت «هبة» ضاحكة: «أنت شيطان رجيم، لن يصيبك شيء.» - «مظلوم وحياتك.»
التفتت «هبة» إلى «عمار» ونظرت له نظرة طويلة بعينيها الواسعتين حتى شعر بالاضطراب. قالت وقد تغيرت لهجة حديثها بما يشبه الهمس: «هل لا تزال تلك الحالة الغريبة تصيبك؟»
صفحه نامشخص