وعندما ابتلعهم الموج الأسود.
لم يصرخ أحد.
انتهى كل شيء بسرعة.
كان لا يزال يقف أمام النافذة يرمق المظاهرة التي تتشكل من بعيد باهتمام. يتكاثف الظل ويهتز باستمرار بتلك الطريقة البلورية المرهقة للعين، كعدسة كاميرا تحاول تركيز البؤرة على مشهد ما، يعود التركيز لثوان قبل أن يهتز مجددا. أعتقد أن كلمة (
Focusing ) في اللغة الإنجليزية، والتي يعرفها كل من يتعامل مع برامج تحرير الصور، تصف هذا المشهد بالضبط.
قال في شرود: «لقد قتل هؤلاء مئات المرات قبل أن يقتلهم الرصاص والبحر، تحولوا لجثث تمشي على قدمين، جثث أفقدها الظلم، الذي كانوا يتجرعونه صباحا ومساء، حلمها وأملها بغد أفضل. لم يعد لهم خيار سوى البقاء ومواجهة الموت جوعا ومرضا، أو مواجهته أمام فوهات البنادق، وفي أعماق بحر داكن ليس له قرار، يتلمظ ويطلب المزيد من أجسادهم التي كانت تضج أملا وحلما ببلاد بعيدة، يعيشون فيه كما شاء لهم الله.
أحرارا.
انتشر البؤس على وجوههم كعدوى فيروسية، لا تضعفها كل المضادات الحيوية لأكاذيب الساسة، ولا فتاوى تجار الدين بحرمة الخروج عليه.
بثورتهم أعطوهم بعض الأمل الذي فقدوه. قالوا لنا: من حقكم أن تعيشوا بأفضل مما تفعلون، بإمكانكم تغيير واقعكم إن أردتم، هذا حقكم في الحياة، وليس مكرمة تساومون بها مقابل أمنكم. بموتهم قالوا لنا ذلك، هؤلاء الذين قضوا في سبتمبر كانوا أنبل ما فينا.»
الصوت الغاضب المبحوح يواصل الصراخ في الخارج:
صفحه نامشخص