إنني أتذكر يوم الجنازة جيدا؛ لقد اصطحبتني سيدة لطيفة ومريحة جدا لا أعرفها - اسمها جوسي - في رحلة قصيرة. ذهبنا إلى مكان به بعض الأراجيح وما يشبه بيت الدمى الذي كان كبيرا بما يكفي كي أدلف داخله، وتناولنا طعام الغداء الذي احتوى على أطعمتي المفضلة، لكنه لم يكن بالكثير بحيث أصاب بالتخمة. وأصبحت جوسي من الأشخاص الذين توثقت صلتي بهم فيما بعد. لقد أقام أبي معها علاقة صداقة عندما كان في كوبا، وبعد الطلاق أصبحت زوجة أبي؛ أي زوجته الثانية.
تعافت أمي، وكان لزاما عليها ذلك؛ فقد كان هناك برينت الذي يجب عليها أن تعتني به، وكذلك أنا لمعظم الوقت. أعتقد أني أقمت مع أبي وجوسي حالما تستقر هي في المنزل الذي عزمت على الإقامة فيه لبقية حياتها، ولا أتذكر أني أقمت مع برينت حتى كبر بدرجة تمكن فيها من الجلوس في كرسي الطعام العالي خاصته.
عادت أمي إلى ممارسة مهامها القديمة في المسرح، وربما كانت تؤدي نفس العمل الذي كانت تؤديه من قبل؛ وهو مرشدة مقاعد متطوعة، لكن بحلول الوقت الذي التحقت فيه بالمدرسة كانت لديها وظيفة بالفعل، بمرتب ثابت، ومسئوليات على مدار العام؛ لقد أصبحت مديرة المسرح. واستمر المسرح، على الرغم من مروره بالعديد من التقلبات، ولا يزال مستمرا حتى الآن.
لم يكن نيل يؤمن بالجنازات؛ لذا لم يحضر جنازة كارو، ولم ير برينت مطلقا. ولقد ترك خطابا - وقد علمت ذلك فيما بعد - يقول فيه إنه ما دام لا ينوي أن يتصرف كأب، فمن الأحرى أن ينسحب من البداية. ولم أذكر شيئا عنه مطلقا لبرينت؛ لأني كنت أعتقد أن ذلك الأمر سيغضب أمي، وكذلك لأن برينت لم يكن يشبه كثيرا نيل، بل كان في الواقع يشبه أبي بصورة أكبر، لدرجة أنني تساءلت عما حدث وقتما حملت به أمي. ولم يذكر أبي شيئا عن هذا مطلقا ولن يفعل؛ إنه كان يعامل برينت مثلما يعاملني تماما، لكنه كان من ذلك النوع من الرجال الذي كان سيفعل ذلك على أية حال.
لم يرزق هو وجوسي بأي أطفال، لكن في اعتقادي أن ذلك لم يسبب لهما أي ضيق. كانت جوسي هي الوحيدة التي تتحدث عن كارو، لكنها لم تكن تفعل ذلك كثيرا؛ كانت تقول إن أبي لا يحمل أمي مسئولية ما حدث، لكنه قال أيضا إنه لا بد أنه كان شخصا تقليديا عندما أرادت أمي بعض الإثارة في حياتها، وقد كان بحاجة إلى صدمة قوية حتى يفيق، وها قد حدثت. ولا داعي للشعور بالأسى حيالها، فلولا تلك الصدمة ما كان له أن يعثر على جوسي، وأن يحصل الاثنان على ذلك القدر من السعادة التي يعيشان فيها الآن.
كنت أقول له: «أي اثنين؟» لمجرد أن أخفف من حدة الكلام، وكان هو يقول في غضب: «جوسي، جوسي بالطبع.»
لم يكن يمكنني أن أجعل أمي تتذكر أيا من هذه الأوقات، ولم أشأ أن أزعجها بذلك. أعلم أنها قد ذهبت بسيارتها عبر الطريق القصير الذي كنا نعيش فيه، ووجدته قد تغير كثيرا؛ حيث شيدت المنازل العصرية التي تراها الآن فوق الأراضي غير المستغلة، وقد ذكرت هذا بشيء من الاحتقار الذي بعثته تلك المنازل في داخلها. لقد ذهبت أنا بنفسي إلى ذلك المكان، لكني لم أخبر أحدا بهذا؛ كنت أرى أن التقسيم الذي يحدث داخل العائلات هذه الأيام من جراء ذلك لهو خطأ كبير.
حتى المكان الذي توجد به حفرة الحصى، قد شيد فوقه منزل الآن، وسويت الأرض تحته. •••
لدي صديقة الآن تدعى روثان، وهي تصغرني لكني أعتقد أنها أكثر حكمة مني بعض الشيء، أو على الأقل أكثر قدرة على مواجهة حالتي المزاجية المتقلبة، ولولا تشجيعها لي، ما كنت لأتواصل مع نيل ثانية. بالطبع، ولفترة طويلة، لم تكن لدي وسيلة للتواصل معه، كما لم يكن لدي استعداد لذلك، وظل الوضع هكذا لفترة طويلة، حتى راسلني هو أخيرا؛ فقد بعث برسالة قصيرة يعرب فيها عن تهانيه لي بعدما رأى صورتي في مجلة «ألوميني جازيت»، ولا أدري ما الذي جعله يتصفح تلك المجلة. فقد حصلت على إحدى الدرجات العلمية مع مرتبة الشرف، وهي مسألة كانت تعد هامة لكن وسط دائرة محددة، ولم تكن كذلك خارجها.
كان يقطن على بعد خمسين ميلا تقريبا من المكان الذي أعمل فيه بالتدريس، والذي تصادف أيضا أنه كان مكان الجامعة التي كنت أدرس بها، وتساءلت في نفسي: هل كان هناك في ذلك الوقت؟ على مقربة كبيرة مني هكذا؟ هل أصبح أستاذا؟
صفحه نامشخص