سيكون من الصعب أن توضح، فيما بعد في حياتها، ما الشيء الجيد والمقبول في ذلك الوقت وما هو غير ذلك. قد تقول امرأة: حسنا، لم تكن الحركة النسوية بالشيء الجيد، لكن سيكون عليها فيما بعد أن توضح أن الحركة النسوية لم تكن حتى كلمة كان الناس يستخدمونها حينها، ثم تضيف أنه كان من الممكن أن ينظر إلى أي فكرة جادة، فضلا عن بعض الطموح، أو ينظر حتى إلى قراءة كتاب مفيد على أنها شيء باعث على الريبة، وقد يكون له علاقة بإصابة طفلك بالالتهاب الرئوي، وإلى أن أي تعليق سياسي في أي من حفلات العمل قد يعرقل ترقي زوجك في العمل. وقد لا يهم حينها أي حزب قمت بانتقاده؛ كل ما في الأمر أن التعليق انطلق من فم امرأة.
سيضحك الناس ويقولون إنها تمزح، وستجيب هي حينها: إن الأمر هكذا، لكن ليس إلى هذا الحد. وحينها ستقول جريتا لها إن نظم الشعر في ذلك الوقت يكون أكثر أمانا بعض الشيء بالنسبة إلى المرأة مقارنة بالرجل؛ ومن هنا جاءت كلمة شاعرة وأصبحت متداولة، تماما كحلوى غزل البنات. قالت إن بيتر لم يكن لينظر للأمر هكذا، حيث إنه قد نشأ في أوروبا. ولكنه كان سيتفهم جيدا كيف من المفترض أن ينظر الرجال الذين يعمل معهم إلى مثل تلك الأفكار. •••
هذا الصيف كان سيمضي بيتر شهرا أو ربما أكثر في تنفيذ أحد المشروعات بقرية لوند، التي تبعد كثيرا بقدر توغلك شمالا في البر الرئيسي. ولم يكن ثمة مكان لإقامة جريتا وكاتي.
لكن جريتا كانت على اتصال بصديقة كانت تعمل معها في مكتبة فانكوفر، وقد تزوجت الآن وباتت تعيش في تورونتو. كانت تلك الصديقة ستمضي شهرا في أوروبا هذا الصيف بصحبة زوجها، الذي يعمل مدرسا، وقد كتبت لجريتا تطلب منها أن تسدي لها معروفا - فقد كانت دمثة الخلق جدا - بأن تقيم في منزلها في تورونتو لجزء من تلك الفترة حتى لا يظل مغلقا، وقد ردت جريتا تخبرها بشأن عمل بيتر وأنها تقبل العرض المقدم هي وكاتي.
ولهذا السبب هم الآن يلوحون بعضهم لبعض عبر رصيف المحطة والقطار. •••
كانت تصدر في ذلك الوقت في تورونتو بصورة غير منتظمة إحدى المجلات التي تحمل اسم «ذي إكو أنسارز»، وكانت جريتا قد عثرت عليها في المكتبة، فبعثت إليها ببعض من قصائدها، وقد نشرت لها المجلة قصيدتين، فكانت النتيجة أن تمت دعوتها لحضور إحدى الحفلات بصحبة مجموعة من الكتاب لمقابلة رئيس التحرير الذي قدم في زيارة لفانكوفر في الخريف الماضي. وكانت الحفلة قد أقيمت في منزل أحد الكتاب الذي كان اسمه مألوفا لها، فيما يبدو، طوال حياتها. أقيمت الحفلة في وقت متأخر من فترة ما بعد الظهيرة عندما كان بيتر لا يزال في عمله؛ لذا استعانت بإحدى جليسات الأطفال، واستقلت الحافلة المتجهة لنورث فانكوفر، التي عبرت جسر ليونز جيت ومرت بمتنزه ستانلي بارك. كان عليها أن تنتظر أمام خليج هدسون من أجل رحلة طويلة للحرم الجامعي حيث يقطن الكاتب. عندما هبطت عند آخر محطة للحافلة، عثرت على الشارع المطلوب وسارت عبره وهي تنظر إلى أرقام المنازل. كانت ترتدي حذاء ذا كعب عال؛ مما أبطأ من حركة سيرها كثيرا. وكذلك فعل ثوبها الأسود الشديد الأناقة، المغلق بسوستة من الظهر، الذي كان شفافا عند منطقة الوسط، وضيقا بشدة عند منطقة الأرداف. حدثت نفسها قائلة إنه يجعل شكلها يبدو سخيفا بعض الشيء؛ حيث إنها تتعثر قليلا في خطواتها عبر الطرقات المتعرجة التي لا تحوي أي أرصفة. وكانت هي تقريبا الشخص الوحيد الذي يمشي في فترة ما بعد الظهيرة التي أوشكت على الانقضاء. رأت بيوتا عصرية ذات نوافذ عريضة كما هو الحال في أي ضاحية متحضرة، ولم تكن على الإطلاق بالضاحية التي توقعت أن تراها. وراحت تتساءل إن كانت أخطأت في الشارع المطلوب، وقد سعدت بتلك الفكرة؛ فبمقدورها العودة مرة أخرى لمحطة انتظار الحافلات حيث ستجد مقعدا، وعندئذ يمكنها خلع حذائها والحصول على بعض الراحة قبل بدء رحلة عودتها الطويلة التي ستقطعها وحيدة إلى المنزل.
لكن عندما شاهدت الكثير من السيارات المصطفة، ووقع بصرها على رقم المنزل، كان قد فات أوان العودة. تسلل صوت الضجيج عبر الباب المغلق، وكان عليها أن تقرع الجرس مرتين.
رحبت بها امرأة بدا واضحا أنها كانت تتوقع قدوم شخص آخر. لم يكن الترحيب هو الكلمة الصحيحة؛ فقد فتحت المرأة الباب، وقالت لها جريتا إن هذا المنزل لا بد أنه المكان الذي أقيمت فيه الحفلة .
قالت المرأة وهي تتكئ على إطار الباب: «كيف يبدو لك الأمر؟» لم تفسح لها المرأة الطريق إلى أن قالت جريتا: «أتسمحين لي بالدخول؟» ثم كانت هناك حركة ما يبدو أنها سببت ألما كبيرا لجريتا. لم تطلب هذه السيدة من جريتا أن تتبعها، لكن جريتا فعلت ذلك على أية حال.
لم يتحدث إليها أو يلاحظ وجودها أي أحد، لكن سرعان ما ظهرت فتاة مراهقة وهي تحمل صينية عليها بعض الأكواب التي بدا أنها تحوي ما يشبه عصير الليمون الوردي. أخذت جريتا كوبا وازدردت ما فيه دفعة واحدة حيث كانت تشعر بعطش شديد، ثم مدت يدها وأخذت كوبا آخر. شكرت الفتاة وحاولت أن تفتح حوارا معها وتحدثها عن الطريق الطويل الذي قطعته مشيا في ذلك الطقس الحار، بيد أن الفتاة لم تعرها اهتماما واستدارت مبتعدة لتؤدي عملها.
صفحه نامشخص