7 مايو
زرت كتابا في الخارجة، وهو أسطواني الشكل بني على صخرة وليس فيه منفذ للضوء إلا الباب، أرضه طين جاف ليس مفروشا بشيء إلا بعض أبراش في جوانب الحجرة يجلس عليها الأطفال، وسألت عن الفقيه فلم أجده، ورأيت الأطفال يقرءون في ألواح من الصفيح طليت بالطفل وهم يطلونها كلما مسحوا اللوح وحددوا الكتابة، ولفت نظري طفل كبير، أخذت لوحه فوجدته قد كتب فيه المعوذتين وبعدهما: «وقد تم طبع هذا المصحف الشريف في مطبعة كذا». وهو يحفظه على أنه من القرآن الكريم.
9 مايو
صليت الجمعة في مسجد البلدة، وأغرب ما سمعت أن الخطبة كلها كانت حثا على الزهد وتحذيرا من السفر إلى أوروبة لقضاء الصيف مع أن أهل الواحات زهاد بطبعهم لا يجدون ما يأكلون إلا بعد العناء، وما سمعوا قط باسم أوروبة إلا من الخطيب. وما حدثتهم أنفسهم حتى ولا بالسفر إلى الصعيد، ولكن لا عجب فالخطيب يحفظ خطبته من ديوان مطبوع من غير نظر إلى ما يلائم وما لا يلائم. وطلب مني أن أقرأ درسا بعد الجمعة فقرأت درسا موضوعه «الحث على العمل ومضار الكسل» واعتقادي أن لا قيمة لهذا الحديث وهذا الدرس، فهم لا يصلحون إلا بإصلاح بيئتهم.
10 مايو
اليوم جلست أول مرة في مجلس القضاء فتهيبته؛ لأني مع دراستي الفقه بأكمله دراسة واسعة عميقة، وأصول الفقه بأكملها دراسة واسعة عميقة كذلك، ونظام القضاء والإدارة سواء في ذلك القضاء الشرعي والأهلي والمختلط، ونظام المرافعات وما إليها، وعرضت علينا نماذج كثيرة من القضايا وحيثياتها وأحكامها، وزرنا بعض المحاكم واستمعنا لبعض قضاياها، ودرسنا بعض القضايا العويصة ذات المبادئ؛ مع كل هذا تهيبت هذا المجلس وخجلت من نفسي، وخجلت ممن حولي ولم أدر ماذا أفعل، وكان موضوع القضية طلب امرأة نفقة من زوجها الغائب، وجلس الكاتب عن يميني ونادى الحاجب المدعية فحضرت، ونادى المدعى عليه فلم يحضر، وإلى هنا ارتبكت ولم أدر ماذا أملي على الكاتب، فهربت من الإملاء عليه وحكمت في القضية حيثما اتفق، وأمرت الكاتب أن ينتظر، ورفعت الجلسة، ثم عدت إلى سجل القضايا أبحث عن قضية مثلها لأتعرف كيف كتب فيها، ثم أمليت على الكاتب على نمط ما في السجل مع تغيير أسماء الأشخاص ومقدار النفقة، وكان موقفا مخجلا حقا يدل على أن العلم غير العمل.
13 مايو
كتب إلي صديقي وأستاذي أحمد بك أمين كتابا طريفا مفيدا، ومما جاء فيه: «إن كلمة واحة مصرية قديمة، وإن الواحات الخارجة هذه كان اسمها «واحت رست» أي الواحات الجنوبية، وإن كلمة واحة كان معناها في الأصل الكفن أو المومياء ثم صارت تطلق على مقر الأبرار من الأموات، لأن قدماء المصريين كانوا يعتقدون أن الواحات الخارجة هي مقر الأبرار، وأن الواحات الداخلة مقر الأرواح، وقد قرأت فيما قرأت أن عندكم بلدا اسمه «تادروه» به ثلاثة معابد، منها معبد من عهد البطالسة ومنها معبد من عهد الرومان، وقرأت أيضا أن الواحات الخارجة كانت في أول عصر المسيحية مقرا للزهاد من المسيحيين الذين انقطعوا عن العالم للعبادة، ولهم من الآثار بتلك الجهة مقبرة كبيرة تسمى البجوات بها نحو مائتي قبر، ولا يزال ببعض هذه القبور نقوش حسنة» وقد أثر في هذا الخطاب فعزمت أن أزور الآثار القديمة الموجودة في الخارجة، كما فعلت مع صديقي هذا في زيارة الآثار الإسلامية.
14 مايو
بعض موظفي الحكومة هنا يتزوجون زواجا يشبه زواج المتعة، فالموظف يختار فتاة يستجملها ويتزوج بها، فإذا حلت في عينه فتاة أخرى طلق الأولى وتزوج الثانية، وتبقى معه الزوجة إلى أن يصدر الأمر بنقله من الواحات فيطلقها ويرضيها بقليل من المال. وقد تأتي منه بولد أو أكثر، فبعضهم يترك الزوجة وأولادها، وبعضهم يأخذ أولاده معه، ويترك زوجته بعد أن يطلقها، ولكن أكثرهم يتحرجون من الإنسال، ويتخيرون الفتاة العاقر أو المرأة المرضعة حتى لا تنسل.
صفحه نامشخص