تمثال رجل عار، يتدلى عضوه الذكري المرمري منه كي ينظر إليه الجميع كبتلة زهرة زنبق متدلية. من غير أمي بصرامتها وبراءتها الشديدة تعرض صورة كهذه أمام رجل، أمامنا جميعا؟ انتفخ فم فيرن وهي تحاول أن تكتم ضحكتها. «كلا، لم يتسن لي أن أراه؛ فالمكان هناك يعج بالتماثيل، هذا مشهور، وذاك مشهور. أينما نظرت وجدت واحدا منها.»
رأيت أنه لم يكن شخصا يمكن التحدث معه في أمور كهذه، لكن أمي واصلت كلامها. «لكن لا بد أنك رأيت الأبواب البرونزية؟ الأبواب البرونزية العظيمة؟ لقد استغرق الفنان الذي صنعها حياته كلها في هذا العمل. انظر إليها، إنها هنا. ماذا كان اسمه؟ جيبرتي، جبرتي، لقد استغرقت حياته كلها.»
بعض الأشياء أقر السيد تشامبرلين بأنه رآها، والبعض الآخر قال إنه لم يره. نظر إلى الكتاب بقدر معقول من الصبر ثم قال بعد ذلك إنه لم يهتم كثيرا بإيطاليا. «ربما كانت إيطاليا بلدا جميلا، لكن المشكلة كانت في الإيطاليين.»
قالت أمي بأسف: «هل وجدتهم منحلين؟» «منحلين، لا أدري، لا أدري كيف كانوا، لم يكونوا يبالون بشيء؛ ففي شوارع إيطاليا، جاءني رجل وعرض علي أن يبيعني ابنته. كان هذا يحدث طوال الوقت.»
فقلت وأنا أضع على وجهي بسهولة قناع البراءة البسيط والجريء: «لماذا يريد بيع الفتاة، هل ستباع كجارية؟» «شيء من هذا القبيل.» قالتها أمي وهي تغلق الكتاب متخلية عن مايكل أنجلو والأبواب البرونزية.
قال السيد تشامبرلين باشمئزاز، والذي بدا على وجهه أنه مشوب بمسحة احتيال: «صبايا في عمر ديل، وبعضهن حتى لم يصلن إلى عمرها.»
قالت فيرن: «إنهن يبلغن مبكرا في ذاك المناخ الحار.» «ديل، خذي هذا الكتاب بعيدا.» كانت النبرة التحذيرية في صوت أمي واضحة كصوت رفرفة جناح طائر يحلق.
وقد سمعت تلك النبرة، ولم أعد إلى حجرة الطعام مرة أخرى، وإنما صعدت إلى الطابق العلوي، وخلعت ملابسي ثم ارتديت مبذل أمي الحريري الأسود المزين بمجموعة من الزهور الوردية والبيضاء. كانت هدية غير عملية لم ترتدها أبدا. نظرت إلى المرآة الثلاثية في غرفة أمي بتحد وقشعريرة تسري في جسدي. سحبت طرفي المبذل عن كتفي ووضعتهما فوق نهدي، اللذين كانا كبيرين بما فيه الكفاية ليناسبا حجم الأقماع الورقية العريضة التي توضع في أطباق المثلجات. كنت قد أضأت المصباح بجانب منضدة الزينة، فخرج منه ضوء وديع دافئ من خلال قوس من زجاج بلون بني ضارب إلى الصفرة، أكسب بشرتي نوعا من اللمعان. نظرت إلى جبهتي العالية المستديرة وبشرتي ذات النمش الوردي ووجهي الذي يبدو بريئا كبيضة، واستطاعت عيناي أن تغيرا ما أراه، أن تجعلا مظهري خبيثا وناعما، وأن تغيرا شعري البني الفاتح الناعم كشجرة مقلمة وتحيلاه إلى شعر متموج كثيف يميل إلى اللون الذهبي أكثر منه إلى اللون البني. كان صوت السيد تشامبرلين يتردد في ذهني - وهو يقول صبايا في عمر ديل - ويفعل بي ما تفعله لمسة الثوب الحريري على جلدي، يحيطني، يجعلني أشعر بأنني في خطر، بأنني مرغوبة. فكرت في الصبايا في فلورنسا، في الصبايا في روما، صبايا في سني يمكن لرجل أن يشتريهن، بعد أن ينبت ذلك الشعر الإيطالي الأسود في إبطهن، وعلى زوايا أفواههن، «إنهن يبلغن مبكرا في ذاك المناخ الحار.» صبايا كاثوليكيات. رجل يدفع لك نقودا كي تتركيه يضاجعك. ماذا قال؟ هل خلع عنك ملابسك أم كان ينتظر أن تفعلي ذلك بنفسك؟ هل خلع سرواله أم اكتفى بأن فتح سحابه وأخرج عضوه الذكري؟ كانت مرحلة انتقالية، جسرا بين ما هو سلوك ممكن ومعروف وعادي، وما هو فعل سحري حيواني لا أستطيع تخيله. ولا يوجد شيء في كتاب والدة ناعومي عن هذا.
كان في جوبيلي بيت به ثلاث من العاهرات، ذلك إذا ما حسبنا السيدة ماكويد التي تدير هذا البيت وكانت على الأقل في الستين من عمرها. كان هذا البيت يقع في الطرف الشمالي من الشارع الرئيسي في ساحة مزروعة بنباتات الهندباء البرية والخطمي، إلى جوار محطة الخدمات البريطانية الأمريكية. في الأيام المشمسة كانت المرأتان الشابتان أحيانا تجلسان على كرسيين قماشيين، وكنت أنا وناعومي قد مررنا أكثر من مرة بهذا المكان ورأيناهما ذات مرة. كانت كل منهما ترتدي ثوبا من قماش قطني ملون وخفين، وأرجلهما البيضاء كانت عارية، وكانت إحداهما تقرأ جريدة «ستار ويكلي»، فقالت لي ناعومي إن اسمها بيجي، وإنها ذات ليلة في حمام الرجال في قاعة رقص «جاي لا» وافقت على تقديم خدماتها لصف من الرجال وهم واقفون. هل هذا ممكن؟ (سمعت هذه القصة ثانية بعدها، لكن هذه المرة كانت السيدة ماكويد بنفسها هي التي أدت أو تحملت هذا العمل البطولي، ولكن لم يكن هذا في قاعة «جاي لا»، وإنما مستندة على الجدار الخلفي لمقهى «بلو آول كافيه».) تمنيت لو رأيت ملامح بيجي هذه بشكل أوضح فلم أر سوى عدة خصلات من شعر بني ناعم مموج تتدلى فوق الجريدة، تمنيت لو رأيت وجهها. توقعت أن أرى شيئا ما؛ هالة كريهة من الفساد، غازا كريها ينبعث منها. اندهشت لكونها تقرأ جريدة وأن الكلمات المكتوبة تعني لها شيئا مثلما تعني لنا نحن، وأنها تأكل وتشرب، وأنها لا تزال بشرا. كنت أتخيل أنها تجاوزت الطبيعة الإنسانية إلى حالة من الفسوق التام، على النقيض التام من مراتب القديسين، لكن مثلهم مجهولة ومعزولة. ما كان يبدو عاديا هنا - جريدة ستار ويكلي، والستائر المنقطة الملفوفة إلى الخلف، ونبات الغرنوقي الذي ينمو باعثا على الأمل من الوعاء القصديري في نوافذ بيت العاهرات - كله بدا خداعا متعمدا ومزعجا؛ قشرة من المظهر العادي التي تغطي الخزي ، التي تغطي المجون والاستغراق في الشهوات.
أخذت أدلك فخذي عبر الحرير البارد، لو كنت ولدت في إيطاليا لكان جسدي الآن قد استخدم وتكدم وأدرك كل شيء، دون أن تكون غلطتي. حملتني فكرة العهر الذي لا جريرة لي فيه خارج الواقع للحظة، فكرة مغرية ومريحة لأنها كانت نهائية وتقضي على الطموح والقلق.
صفحه نامشخص