ولكنه كان قد انحنى بالفعل وأطبق يديه بقوة في جانبيه، ودون أن يحني رأسه بذل جهدا شديدا وهو يطبق ملامح وجهه في محاولة للخشوع.
فقلت بحدة: «انهض يا أوين! لن يفيد ذلك، لن يفلح الأمر، لن يفلح. انهض يا أوين وكن ولدا مطيعا يا عزيزي.»
فلوح إلي بقبضتيه المضمومتين وكأنه سيضربني، دون حتى أن يفتح عينيه. وبينما كان يدعو، مر وجهه بمراحل عديدة مستميتة؛ من التقطيب، ولي قسمات الوجه التي بدا لي كل منها تعبيرا ازدرائيا، ووضعا يصعب النظر إليه كالجلد المسلوخ، فرؤية شخص لديه إيمان عن قرب ليست أيسر من رؤية شخص يقطع إصبعه.
هل مر المبشرون قط بمثل هذه اللحظات؛ لحظات الدهشة والخزي؟
تغيرات واحتفالات
كانت مشاعر الكراهية لدى الصبية أمرا خطيرا، قويا وصارخا، حقا طبيعيا خارقا مثل سيف آرثر الذي انتزع من الحجر كما في القصة المذكورة بكتاب الصف السابع. أما مشاعر الكراهية لدى البنات فهي مشاعر مضطربة مليئة بالدموع ذات نزعة دفاعية تغلب عليها المرارة. فكان الأولاد لا يترددون في الاندفاع نحوك بأسلوب تهديدي وهم على متن دراجاتهم، ويشقون الهواء في المكان الذي تقفين فيه بقوة دون تورع، كما لو أنهم يتمنون وجود سكاكين في عجلات الدراجات، وقد يتلفظون بأي شيء.
قد يقولون: «مرحبا أيتها الساقطات.»
أو يقولون: «هاي، أين فروجكن؟» بنبرة صاخبة مزدرية.
فكان ما يقولونه ينزع عنك حقك وحريتك في أن تكوني ما تريدين ويختزلك إلى ما يرونه هم، وكان ذلك كفيلا بوضوح لإثارة ضحكاتهم. ولما كان كبريائي وكبرياء صديقتي ناعومي لا يسمح لنا بعبور الشارع إلى الجهة الأخرى من الطريق حتى نتجنبهم، فقد قالت إحدانا للأخرى: «تظاهري بأنك لا تسمعينهم.» وأحيانا كنا نرد عليهم: «اذهبوا واغسلوا أفواهكم في حوض البقر، فأنتم لا تستحقون استخدام الماء النظيف.»
بعد المدرسة لم أكن أنا وناعومي نريد العودة إلى المنزل؛ لذا أخذنا نطالع إعلانات الفيلم المعروض في مسرح الليسيوم وصور العرائس في واجهة عرض استوديو التصوير، ثم ذهبنا إلى المكتبة والتي كانت عبارة عن حجرة في دار البلدية. وعلى اللوح الزجاجي لأحد جانبي الباب الرئيسي لمبنى دار البلدية كتبت بضعة أحرف «حم م الس دات»، وعلى الجانب الآخر «حجرة الق اءة العا ة»، ولم تستكمل الأحرف الناقصة قط، وتعلم الجميع قراءة اللافتات بدونها.
صفحه نامشخص