في هذه الفترة كان الرافعي على نية إنشاء نشيد وطني جديد؛ إجابة لرغبة تقدم بها إليه شبان الوفد، فما أذاعت الحكومة بيانها عن المباراة حتى تقدم بنشيده الجديد:
حماة الحمى، يا حماة الحمى
هلموا، هلموا لمجد الزمن
لقد صرخت في العروق الدما
نموت، نموت، ويحيا الوطن
كما تقدم بنشيده الآخر: «اسلمي يا مصر»، ولأمر ما استبعدت لجنة المباراة النشيد الثاني، ومنحته الجائزة الثانية على النشيد الأول، وما أريد أن أعرض لرأي اللجنة وحكمها في هذا النشيد الجديد، فذلك باب من النقد الأدبي ليس من قصدي التعرض له في هذا المقال، فإن للتاريخ الأدبي حكمه في هذا الشأن، يوم تنسى الأحقاد وتمحي العداوات. •••
ليس ما ذكرت هو كل جهد الرافعي في الأناشيد، وليس بهذا وحده يستحق أن نخلع عليه هذا اللقب الذي لا أرى غيره من شعراء العربية جديرا به، فما أستطيع أن أحصي كل ما أنشأ الرافعي في هذا الباب، وحسبي أن أذكر بنشيده الخالد الذي أنشأه في سنة 1927 ليكون شعار «الشبان المسلمين»، فهنا في هذا النشيد يعرف الرافعي الشاعر المسلم المجاهد الذي وقف قلمه وبيانه على خدمة المسلمين والعرب.
أما نشيد «الملك»، ونشيد «بنت النيل»، ونشيد «الطلبة» الذي أنشأه؛ ليكون به هتاف تلاميذ المدرسة الثانوية بطنطا، فذلك فن من البيان له فصل بعنوانه في تاريخ الأدب العربي.
البحر المنفجر
في أناشيد الرافعي عامة، تعرف له طابعا وروحا ونغمة هي سر نجاحه فيما ألف من أناشيد، ويميل في أناشيده الوطنية خاصة إلى إبراز معنى القوة في سبك اللفظ ولحن القول، ولو أنك سمعته مرة وهو في خلوته الشعرية يحاول شيئا من هذه الأناشيد لسمعت لحنا له رنين يشترك فيه صوت الرافعي، ونقر أصابعه على المكتب، وخفق نعله على أرض المكان، وعلى أن الرافعي كان أصم لا يسمع قصف المدافع، فإنه كان لا يستوي له النظم إلا في مثل هذه الحال، واسألوا صديقنا الأستاذ مصطفى درويش مفتش التحقيقات بوزارة المعارف، ماذا رأى وماذا سمع يوم صحب الرافعي من طنطا إلى القاهرة وكان يؤلف في القطار نشيده «حماة الحمى ...»؟
صفحه نامشخص