حیات مسیح
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
ژانرها
Cosmos
فهو عاقل لأنه عظيم، ويفسر زينون تعدد الآلهة في معتقدات العامة بأنهم بحثوا عن الله في مظاهر الطبيعة المتكاثرة، فعددوها ونسجوا حولها الأساطير من تشبيهات الخيال، ولكن هذه التشبيهات إن هي إلا رموز مجازية تدل على حقيقة واقعية.
وآخر الأقطاب الرواقيين قبل الميلاد - بوزيدون الذي أشرنا إليه - كان يعلم تلاميذه أن الروح لا تفنى بفناء الجسد، وأنها ترتقي صعدا في السماء على حسب ارتقائها في المعرفة والفضيلة، فمن الأرواح ما يرفرف على مقربة من الأرض، ومنها ما يحلق بين الأفلاك العلى، ويسبح معها، وينعم بالنظر إليها، والاستماع إلى ألحانها في مسراها إلى يوم القيامة، وقد كان هذا الحكيم معنيا بالهند في بحوثه الجغرافية الفلكية، كما كان معنيا بها في بحوثه الفكرية الدينية، فقرر فيما رواه عنه صاحب كتاب «الرواقيون والشكوكيون»
Stoics and Scepties
أن المسافة بين قادش والهند سبعون ألف ستادة، وهي مقياس يوناني يساوي نحو مائة وخمسة وسبعين مترا، ويقال: إن هذا التقدير كان في حساب كولمبس عندما قصد إلى الهند من طريق البحار الغربية.
ويتفق مؤرخو الفلسفة على قوة الأثر الذي أعقبته المذاهب الرواقية في العالم الروماني إلى أقصى أطرافه، وتظهر قوة هذا الأثر وسعة مداه من اتساعه لتبشير الملوك والأرقاء بعد ظهور إمامه الأول - زينون - بنحو أربعة قرون، فكان من أئمته العبد الرقيق إبيكتيتس (60-100 بعد الميلاد) والإمبراطور الكبير ماركس أورليوس (121-180 بعد الميلاد)، وفاخر بالانتماء إلى هذا المذهب قادة ورؤساء من الذين زاروا الشرق وأقاموا فيه.
أما فلسطين خاصة حيث ولد السيد المسيح، فقد كان هذا المذهب ومذهب الأبيقوريين يتقاسمان فيها أفكار المتدينين وغير المتدينين، وتغلغل المذهبان بين الطوائف الإسرائيلية؛ كأنهما زيان من أزياء الثقافة التي يتراءى بها أدعياء العلم والمدنية، فكان الصدوقيون يميلون إلى الأبيقورية، وكان الفريسيون يأخذون بالحكمة الرواقية على كراهتهم للتشبه بالأجانب، ولكن شيوع الأقطاب الشرقيين بين الرواقيين كان يصبغ نحلتهم بالصبغة الوطنية التي لا يتحرج الفريسيون من محاكاتها تمشيا مع نزعتهم إلى التجديد.
ومن المصادفات التي تساعد على تتبع أثر المذاهب الفكرية في العالم الإسرائيلي أن عصر الميلاد أنجب أكبر الفلاسفة الإسرائيلية في العصر القديم وهو يهودافيلون، الذي ولد بالإسكندرية سنة (30 قبل الميلاد) ومات سنة (50 بعد الميلاد)، ومزج في فلسفته بين عقائد عصره ومذاهبه الفلسفية من كل منبت، ولا سيما منبت الإغريقية الإسكندرية، وقد أخذ القول بالكلمة
Logos
من الرواقيين عن هيرقليطس أول القائلين بها في الزمن القديم، وقال إنها هي واسطة الله في علاقته بهذا العالم، وأخذ تفسير الرموز الدينية من العبادات السرية كعبادة إيزيس وعبادة أوزيريس سرابيس التي تأسست بالإسكندرية، وتفرعت في أثينا وبومبي ورومة وبعض الموانئ الآسيوية، ثم طبق هذا التفسير على رموز التوراة فشرحها شرحا عقليا يخالف في كثير من المسائل شروحها التقليدية، وقال في كلامه عن خلق العالم إن موسى - عليه السلام - لم يأت بأسلوب كأسلوب أصحاب الشرائع الذين يحصرون أحكام قومهم في الحلال والحرام بغير تصرف ولا تنقيح، ولا بأسلوب كأسلوب أصحاب الشرائع المبهمة التي تحيط بها الألغاز والزيادات، وأنه روى قصة الخليقة رواية تتضمن أن الدنيا مطابقة للنظام (أو الشريعة)، وأن النظام مطابق للدنيا، وأن الإنسان الذي يتبع النظام مواطن صالح للعالم كله، يسير في عمله وفقا لمشيئة الطبيعة التي تسير الدنيا كلها وفقا لمشيئتها.
صفحه نامشخص