حیات فکر در جهان جدید
حياة الفكر في العالم الجديد
ژانرها
16 (1923م) وهو كما ترى فيلسوف طبيعي بمعنى أنه يدخل كل شيء في جوف الطبيعة، على الرغم من هذه الروحانية الشاعرة التي تشع من أفكاره، فكأنما هو من هؤلاء الناس الذين يرون بالعقل شيئا، ويحسون بالقلب شيئا آخر، فيبالغون في تلبية نداء العقل ليخفوا بهذه المبالغة خفقات القلوب. (2) «ألفرد نورث وايتهد»
17
والبناء العضوي
وهذا فيلسوف آخر - مثل سانتايانا - أمريكي بالإقامة والإنتاج، وإن لم يكن أمريكيا بالمولد والجنسية، ولكن «وايتهد» - على خلاف سانتايانا - لم يكن أمريكيا بالنشأة والسيرة أيضا؛ لأنه لم يرتحل إلى أمريكا ليتولى منصب الأستاذية في هارفارد إلا بعد أن بلغ الثالثة بعد الستين من عمره في وطنه إنجلترا، حيث أتم مدة عمله أستاذا بجامعة لندن، وبعدئذ وجهت إليه هارفارد دعوة ليكون أستاذا بها، وهنالك لبث حتى وافته منيته عام 1947م، وكان قد بلغ من عمره السابعة بعد الثمانين، وإذن فهي أربعة وعشرون عاما قضاها «وايتهد» في الولايات المتحدة، لكنها كانت هي الفترة الأخيرة من عمره ، فكانت بالتالي فترة الإنتاج الفلسفي الناضج؛ لأنه وإن يكن قد أخرج وهو في أرض الوطن مؤلفات هامة في التحليلات الرياضية المنطقية - مثل كتاب «أسس الرياضة» الذي اشترك فيه مع برتراند رسل، وأخرجاه معا في أربعة أجزاء - إلا أن مذهبه الفلسفي لم يكتمل بناؤه ولم يلتمس سبيله إلى التعبير إلا وهو في أمريكا، حيث أخرج كتابه الذي عرض فيه لباب فلسفته، وهو كتاب «التطور وعالم الواقع»،
18
فنحن إذ نذكر «وايتهد» في كتاب يستعرض حياة الفكر في أمريكا، فإنما نعتمد في ذلك على تاريخ إنتاجه الفكري وعلى تأثيره في الاتجاهات الفلسفية أيام إقامته هناك، وإلا فهو كذلك حلقة من تاريخ الفلسفة الإنجليزية المعاصرة، ومرحلة هامة من مراحل الفلسفة الأوروبية الحديثة بوجه عام.
وكما يساورني التردد في نسبة «وايتهد» إلى تيار الفكر الأمريكي،
19
فكذلك يساورني تردد آخر في إضافته إلى «سانتايانا» في فصل واحد يتحدث عن الاتجاه نحو إدخال كل شيء في عالم الطبيعة؛ لأنه وإن يكن شديد الشبه بسانتايانا في اعتباره لعالم الواقع تحقيقا لجزء يسير من الممكنات، وفي نظرته إلى الممكنات على أنها كائنات عقلية أبدية، إلا أنهما يختلفان في نواح رئيسية أهمها هي أن «سانتايانا» قد اعترف - مع الفلسفة التقليدية - بوجود عنصر مادي وبأن الحوادث إن هي إلا أعراض تطرأ على ذلك العنصر، على حين أن «وايتهد» - كسائر التطوريين في العصر الحديث - قد استبدل بالعنصر الثابت تيارا من صيرورة وتغير، لكن حسبنا بين الفيلسوفين شبها يبرر ضمهما معا في اتجاه واحد، أن كليهما قد تخلص من الثنائية التقليدية بين العقل من ناحية، والطبيعة من ناحية أخرى، فمزجاهما معا في كون واحد، وجعلا العقل جزءا من الطبيعة غير مفارق لها، وهكذا انتهيا إلى «تطبيع العقل» أو إن شئت فقل «تعقيل الطبيعة».
بدأ «وايتهد» حياته العلمية رياضيا من الطراز الأول، وعالما من علماء الطبيعة؛ ولذلك جاءت أولى أعماله الفلسفية الكبرى متأثرة بتلك الدراسة الأولى، وذلك بأن تعاون مع «رسل» - كما أشرنا - في إخراج مؤلف ضخم في منطق الرياضة، يعد بداية عهد جديد في الدراسة المنطقية، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن لهذا المؤلف، وأعني به «أسس الرياضة»
صفحه نامشخص