فأما أن يكون في بعض الأوقات جميع القمر مستنيرا وفي بعضها يكون بعضه مستنيرا وفي بعضها لا يرى منه شيء مستنيرا فإن ذلك بحسب أوضاعه من الشمس ومنا فإن الذي يضيء من القمر قطعة قريبة من نصف والذي يدركه أبصارنا هو أيضا قريب من نصف إلا أن النصف المضي هو أبدا النصف المقابل للشمس المواجه لها لكن هذا النصف مختلف أوضاعه عندنا. أما في الاستقبالات فيكون النصف المواجه للشمس هو النصف الذي يلينا لأنه في الاستقبالات مقاطر للشمس ونحن في هذا الموضع المتوسط بينهما فنرى من القمر جزءا جميعه مضيء. نأما إذا انتقل عن المقابلة فلا يكون مكاننا متوسطا بينهما بل يكون زائلأ عن الوسط بالاضافة إليهما فيصير النصف المضيء ليس هو النصف بعينها المواجه لنا بل يكون النصف المواجه لنا بعضه من الجزء المضيء وبعضه من الجزء المظلم. فلا يزال يتناقص المقدار المقابل لنا إلى أن ينتهي إلى الاجتماع فعند ذلك يكون النصف المضيء هو النصف الأعلى من القمر وهو الذي يلي الشمس ويكون النصف الذي يلينا جميعه مظلما. فإذا فارق الشمس عاد إلى الحال الأول وصار النصف المضيء مليئا فتصير الدائرتان أعنى الدائرة التى تحيط بالجزء المضيء والدائرة التي تحيط بالجزء المظلم الذي يلينا متقاطعتين فيظهر لنا أولا جزء يسير. وهذا الجزء اليسير يحيط به قوسان أحديهما القوس من الدائرة التي تحد الجزء الذي يلينا والأخرى القوس من الدائرة التى تحد الجزء المضيء لأن هذا الجزء اليسير يحيط به قوسان وهو على سطح كرة يكون هلالا فلذلك صار الذي يرى من القمر في أول الشهر وآخره هلاليا.
ثم لا يزال يتزايد فإذا صار الضوء إلى النصف من الجزء الذي يلينا صارت حدبة القوس التي تحد الجزء المضيء مستقبلة لنا فيرى القوس خطا مستقيما ويصير ما يرى من المقدار المضيء يحيط به خط مستقيم ونصف محيط الدائرة التي تحد الجزء الذي يلينا ولذلك صار المقدار المضيء الذي يرى من القمر في هذه الأوقات نصف دائرة ثم لا يزال يتزايد إلى أن يعود إلى امتلائه.
فهذه جملة القول على أفلاك القمر وأحواله ولكي يكون ما ذكرناه واضحا فلنخط صورة لفلك القمر نرسم فيها جميع الدوائر التي ذكرناها وسائر الأحوال التي وصفناها.
صفحه ۴۶