محاولة الانتحار في فونتنبلو
في 25 يناير سنة 1814 ترك الإمبراطور باريس لمحاربة أوربا المجتمعة عليه، وفي 11 إبريل قبل تنازله عن العرش ولم يبق إلا أن يضع توقيعه، وكان رسول الحكومة المؤقتة ينتظر في ناحية من القصر، إلا أن الإمبراطور كان مترددا، وقد مرت في رأسه فكرة الانتحار، وكان يرجو أن تأتي إليه ماري لويز بعد تركها في بلوا، فلما أعياه الانتظار وخاب أمله منها عقد النية على أمر حاسم، فنام تلك الليلة قبل الساعة التي اعتادها، وترك كعادته باب الغرفة مفتوحا قليلا، وقد نام الخادم (هوبر) على عتبته، ونام كونستان في غرفة أخرى، فلما انتصف الليل نادى الخادم وطلب منه أن يشعل النار ثم أمره بالانصراف، فذهب هوبر، ولكنه لم ينم لريبة في نفسه، بل أخذ يراقب مولاه من شق الباب، فرآه يمشي طولا وعرضا ثم يجلس ويكتب على ورق ثم يمزق الورق ويلقيه في النار، وبعد حين رأى الإمبراطور يتناول مسحوقا من إحدى حقائبه ويذيبه في الماء ويتجرعه، فخاف وأسرع فأخبر كونستان وعاد معه ودخلا بلا استئذان على مولاهما، فوجداه في حالة تهيج شديد، وسرعان ما انتشر الخبر في القصر أن الإمبراطور قد شرب السم، فأنيرت الغرف وقطع سكوت ذلك الليل وقع أقدام الخدم جيئة وذهابا، وأقبل إيفان والمارشال الكبير والدوق دي فيانس والجنرال كوركو فوجدوا الإمبراطور شاخص العينين جامد النظر، أما هو فالتفت إلى إيفان وابتدره بهذه الكلمات: إيه إيفان، لقد أعطيتني سما لا يفعل. فاضطرب إيفان وخاف أن يفهم من ذلك أنه أراد تسميمه، فترك الغرفة ونزل السلم مسرعا، وذهب إلى الإسطبل فامتطى جوادا وانطلق إلى باريس، وكان رابطا منديلا أبيض بذراعه، وبهذه الشارة أمكنه أن يخترق صفوف الدول المتحالفة ويصل آمنا إلى منزله، أما الإمبراطور فقد سقي ماء ساخنا، فتقيأ وعرق عرقا غزيرا ونام نوما هادئا، ومضى الليل بلا عارض.
الطبيب والفيلسوف كابانيس.
هل حاول الإمبراطور الانتحار حقيقة؟ هذا ما لا يسعنا الجواب عليه، ولكن ما لا ريب فيه أنه لم يكن يهاب الموت، وهو الذي يعرض نفسه له كل يوم، وقد كان في الأيام السابقة لهذا الانتحار في حالة انحطاط ظاهر حتى اعتراه شبه ذهول، فلم يكن ينتبه إلى من حوله، وقد يرسل في طلب أحدهم فإذا أتى لبث نصف ساعة دون أن يوجه إليه الخطاب، وذكر خادمه الخاص أنه كان ساعة لبسه وزينته صامتا لا ينبس ببنت شفة، فإذا عرض عليه أن يشرب الدواء كعادته في مثل ذلك الوقت لم يكن يجيب، بل لم يكن يظهر على ملامحه أنه سمع كلام الخادم، وكان كل يوم يزداد حزنا وميلا إلى الوحدة، وكانت رسائل البرق التي ترد عليه من باريس تسبب له هياجا خاصا، حتى إنه غرز يوما أظافره في فخذه وأسال الدم دون أن ينتبه.
أما السم فقد اختلفوا في ماهيته، فبعضهم - ومنهم ابن الجراح إيفان - يقول: إنه مسحوق البلادونا، وبعضهم يزعم أنه نفس السم الذي انتحر به كوندورسه سنة 1794، استحضره كابانيس ولم يذكر تركيبه لأحد.
الفصل الثاني عشر
مملكة الأقزام
قضت معاهدة فونتنبلو بتنازل نابوليون عن عرش فرنسا وحرمان أسرته من حقوق الإرث، وتعهدت له إزاء ذلك أن يكون صاحب السلطة المطلقة في جزيرة ألب.
وقد ظن الإمبراطور أنه يسمح لماري لويز أن ترافقه في هذا المنفى بعد إقامتها حينا للتداوي في بارم أو بلازانس أو إحدى مدن الاستشفاء في إيطاليا، فاستشير كورفيزار في ذلك فكان رأيه مخالفا، واضطر نابوليون أن يسافر بدونها، يصحبه بعض أعوانه الأمناء وأربعة من ضباط الدول المتحالفة لحراسته في الطريق.
وكان الناس يستقبلون الموكب الإمبراطوري أين حل بالشتائم والتهديد، حتى كاد البعض يفتك بالإمبراطور عند وصوله إلى أورجون.
صفحه نامشخص