الحاوی للفتاوی
الحاوي للفتاوي
ناشر
دار الفكر
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
۱۴۲۴ ه.ق
محل انتشار
بيروت
عكيم «كَتَبَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ: (لَا تَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ)»، فَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ ميمونة ; لِأَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵁: هَذَا كِتَابٌ وَذَاكَ سَمَاعٌ، فَقَالَ إسحاق: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَتَبَ إِلَى كسرى وقيصر وَكَانَتْ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ عِنْدَ اللَّهِ فَسَكَتَ الشَّافِعِيُّ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أحمد ذَهَبَ إِلَى حَدِيثِ ابن عكيم، وَأَفْتَى بِهِ، وَرَجَعَ إسحاق إِلَى حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ ابن دقيق العيد: كَانَ وَالِدِي يَحْكِي عَنِ الْحَافِظِ أبي الحسن المقدسي، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ حُجَّةَ الشَّافِعِيِّ بَاقِيَةٌ، يُرِيدُ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّرْجِيحِ بِالسَّمَاعِ وَالْكِتَابِ، لَا فِي إِبْطَالِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ.
وَقَالَ الخطابي: مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ الدِّبَاغِ وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْإِهَابِ إِذَا دُبِغَ وَوَهَّنُوا هَذَا الْحَدِيثَ ; لِأَنَّ ابن عكيم لَمْ يَلْقَ النَّبِيَّ ﷺ، وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ كِتَابٍ أَتَاهُمْ قَالَ: وَقَدْ يُحْتَمَلُ إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ إِنَّمَا جَاءَ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَتْرُكَ بِهِ الْأَخْبَارَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي قَدْ جَاءَتْ فِي الدِّبَاغِ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّسْخِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ عَلَّلُوا حَدِيثَ ابن عكيم بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ فِي إِسْنَادِهِ حَيْثُ رَوَى بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: عَنِ ابن عكيم عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ جُهَيْنَةَ كَذَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهَؤُلَاءِ الْأَشْيَاخُ مَجْهُولُونَ لَمْ تَثْبُتْ صُحْبَتُهُمْ، وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ تَرَكَهُ لِهَذَا الِاضْطِرَابِ، وَقَالَ الخلال: لَمَّا رَأَى أبو عبد الله تَزَلْزُلَ الرُّوَاةِ فِيهِ تَوَقَّفَ فِيهِ، وَقَدْ رَوَى قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ وَرَوَى بِشَهْرَيْنِ وَرَوَى بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَرَوَى بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَرَوَى مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ وَهَذَا الِاضْطِرَابُ فِي الْمَتْنِ وَأُجِيبَ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ أَخْبَارَ الدِّبَاغِ أَصَحُّ إِسْنَادًا وَأَكْثَرُ =رُوَاةً فَهِيَ أَقْوَى وَأَوْلَى، وَبِأَنَّهُ عَامٌّ فِي النَّهْيِ وَأَخْبَارُ الدِّبَاغِ مُخَصَّصَةٌ لِلنَّهْيِ بِمَا قَبْلَ الدِّبَاغِ مُصَرِّحَةٌ بِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَبِأَنَّ الْإِهَابَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ، وَلَا يُسَمَّى بَعْدَهُ إِهَابًا - كَذَا قَالَهُ الخليل بن أحمد، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَأَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، وَكَذَا قَالَهُ الجوهري وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَهَذَا مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ.
فَإِنْ قَالُوا: هَذَا الْخَبَرُ مُتَأَخِّرٌ فَيُقَدَّمُ وَيَكُونُ نَاسِخًا فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا لَا نُسَلِّمُ تَأَخُّرَهُ عَنْ أَخْبَارِ الدِّبَاغِ ; لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ ﷺ بِدُونِ
1 / 17