وبعد هذا الفرح العظيم عمل فتحي أفندي الدفتري فرحًا عظيمًا بهذا الشهر، أعني به ربيع الأول، زوج ابنته لأخيه، وكان فرحًا عظيمًا ما عمل بدمشق نظيره، ولا بلغ أحد أنه عمل مثله، وكان سبعة أيام كل يوم خصّه بجماعة: فاليوم الأول خصّه بحضرة والي الشام سليمان باشا بن العظم، واليوم الثاني إلى الموالي والأمراء، واليوم الثالث إلى المشايخ والعلماء، واليوم الرابع التجار والمتسببين، واليوم الخامس إلى النصارى واليهود، واليوم السادس إلى الفلاحين، واليوم السابع إلى المغاني والمومسات، وهم بنات الخطا والهوى، وقد تكرم عليهم كرمًا زائدًا، ويعطيهم الذهب والفضة بلا حساب. وكان قبل الفرح عمل تهليلة، جمع بها جميع مشايخ الطرق.
وفي السادس والعشرين من ربيع الأول بهذا العام توفي نقيب النقباء في دمشق، على الحرف والصنايع والطرق، الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ محمد الحلاق القادري، صاحب الحلقة في الجامع الأموي.
وفي يوم الخميس الثامن والعشرين من ربيع الثاني في هذه السنة المذكورة، توفي الشاب السعيد سلالة الطاهرين، وفخر الصديقين، أحمد أفندي البكري الصديقي، وكان من النجابة على جانب ودفن بتربة الشيخ رسلان ﵀.
وفي يوم الأحد غرة جمادى الأولى من هذه السنة، شرع حضرة سليمان باشا ابن العظم، في تعمير وترميم نهر القنوات، وجعل جميع المصارف من ماله جزاه الله خيرًا، واشتغل بها من الفعلة مائتا فاعل، فأمر بقطع بعض الصخر من طريقها، وبتشييد أركانها وإصلاح ما فسد منها، ورفع جدرانها، وبضبطها ضبطًا جيدًا وبإصلاح فروض مستحقيها على الوجه الحق، وأن يأخذ كل ذي حق حقه. فكانت هذه العمارة والضبط ما سبقه إليه أحد من عهد إصلاحها من أيام التيمور لما أصلحت بعده، وقد تمت عمارته في برهة خمسة عشر يومًا في أول مربعانية الصيف. ولما تم أمر بإطلاق النهر، فكان إطلاقه على أهل دمشق فرجة من أبهج الفرج، ويوم مثل يوم الزحام. وقد أرّخ هذه العمارة شيخ الأدب في الشام الشيخ عبد الرحمن البهلول، مادحًا حضرة الوزير سليمان باشا ومشيرًا لتاريخ تتميم البناء، فقال:
جزى المولى أمير الشام خيرا ... سليمان الزمان ودام دهرا
بما قد جدد القنوات صدقا ... بإخلاص زكا سرا وجهرا
فيا طوبى له إذ نال أجرا ... على مرّ الليالي مستمرا
له في كل مكرمة أياد ... بإحسان علت وهلم جرا
فكم صنعت يداه وجوه بر ... بها أرخ سبيل الخير أجرا
وفي نهار الثلاثاء سادس عشر جمادى الأولى توفي الشيخ الفقيه العالم الشيخ علي، مدرس جامع عز الدين في باب السريجة، وقد ناهز الثمانين، رحمه الله تعالى.
وفي يوم السبت الثامن والعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة، قامت العامة وهجمت على المحكمة، وطردوا القاضي ونهبوا الأفران. وسبب ذلك كثرة الغلاء والازدحام على الأفران، وقلة التفتيش على صاحب القمح والطحان والخزان، فتلافى حضرة الوالي سليمان باشا هذا الأمر، وأرسل يشدد على الطحانة والخبازة، ويهددهم ويخوفهم فحالًا وجد الخبز، وتحسن وكسد، بعدما كانت غالب الناس تبات بلا خبز، فابتهلت الناس بالدعاء لحضرته.
وفي سادس جمادى الثانية من هذه السنة، توفي الشيخ مصطفى ابن شيخنا وأستاذنا شافعيّ زمانه، وفاضل أوانه الشيخ محمد العجلوني، من افتخرت به محلة القنوات، ﵀. وبالأمر المقدور، توفيت زوجته أول يوم، ولحقها ثاني يوم، رحمهما الله تعالى.
1 / 8