وفي ليلة الاثنين سادس ربيع الثاني في الساعة الخامسة صارت زلزلة عظيمة أعظم من الأولى بدرجات. وقد صارت معها رجّة مهولة أسقطت غالب بقية المآذن، وأرمت قبة الجامع الأموي الكبيرة والرواق الشمالي جميعه مع مدرسة الكلاسة وباب البريد وأبراج القلعة وغالب دور دمشق، والذي سلم من الوقوع تناثر من بعضه البعض وقُتل خلق كثير خصوصًا في القرايا، ورحلت الخلائق للبساتين وللجبال والتُّرب وإلى المرجة، ونصبوا بها وبالبراري الخيام وناموا بعيالهم وأولادهم، ومع ذلك فلم تبطل الزلزلة والرجفان لا ليلا ولا نهارا. ثم أمر عبد الله باشا الشتجي والي الشام وفقه الله تَعالى مناديًا ينادي بالناس أن يصوموا ثلاثة أيام وأن يخرجوا في اليوم الرابع إلى جامع المصلّى، فإنه مشهور بإجابة الدعاء فيه. فخرجت الناس من كل فج عميق إلى المصلى، وخرج حضرة الوزير معهم وجميع الأعيان والمفتي والقاضي، وخرجت العلماء وأهل الطرق والصوفية والنساء والأولاد، ولازموا الدعاء في المصلّى ثلاثة أيام بضجيج وبكاء وخشوع كيوم عرفات، بل كموقف القيامة، فرحمهم أرحم الراحمين، وعاملهم باللطف والتخفيف، فصارت الأرض تختلج اختلاجًا خفيفًا، ولم تزل الناس في البساتين والبراري خائفة حتى نزل عليهم الثلج المطر وصار الجليد إلى أن خفّت الزلزلة ورجعت الناس خائفين.
وفي أواسط جمادى الأولى قدم القاضي إلى دمشق الشام، واسمه رضا أفندي، ولم يحرّك ساكنا.
وفي ثامن جمادى الثانية ظهر خبر بدمشق أن عبد الله باشا الشتجي والي الشام معزول. وفي ثالث عشر جمادى الثانية. وفي يوم الخميس ثاني وعشرين جمادى الثانية رحل الحاج عبد الله باشا الشتجي إلى منصب ديار بكر على ما قيل.
وفي ليلة الاثنين الخامسة والعشرين من جمادى الثانية قُبيل السحر صارت في الشام أيضًا زلزلة خفيفة أخف من الزلازل المتقدمة. ثم شاع الخبر بين الناس أنه سيحدث زلزلة عظيمة، ففزعت الناس فزعًا شديدًا، ورجعوا إلى ما كانوا عليه من الخوف والفزع والخروج للبساتين والمقابر، نسأله تعالى اللطف.
وفي نهار الاثنين غرة رجب المبارك من هذه السنة دخل والي الشام محمد باشا الشالك بن بولاد باشا لدمشق بموكب عظيم ضحوة النهار، وخرجت لملاقاته الأكابر والأعيان والأفندية والأغاوات، وخرجت الإنكشارية بالخيل والعُدد المطلية والدروع الداوودية، وخرجت القبقول بالعدد الكاملة.
وفي يوم السبت سابع رجب دخل نعمان باشا حاكم صيدا، فدخل في موكب عظيم، وخرج لملاقاته والي الشام محمد باشا الشالك ومعه الأفندية والأكابر والأغوات، وأنزله والي الشام عنده، وأنزل كل آغا من أغواته عند آغا من أغوات الباشا، ثم أقام في ضيافة والي الشام محمد باشا ثلاثة أيام وأربعة ليال، ورحل لمحل وظيفته ومنصبه بصيدا.
وفي نصف شهر رجب جاء ريح عظيم استمر أربعة أيام ولياليها حتى هدم أماكن كثيرة، ولم يبق من الأشجار إلا القليل، وارتجاج من الزلازل لم تبطل لا ليلًا ولا نهارًا، مع وقوع الغلاء حتى في الخضراوات، فرطل الخبز بخمسة مصاري، ورطل الباذنجان بخمسة وعشرين مصرية، ورطل البصل بتسعة مصاري، ورطل اللحم بقرش وربع لم يوجد، ورطل السمن بقرش ونصف وربع. والبقية على نحو ما قدّمنا.
قال المؤرخ البديري: والفقير لم يوجد معه ولا منقير، والهدم واقع من الزلازل في كل وقت وحين، والناس رحلت إلى أرض الفلاحين، والله تعالى هو المعين.
وفي نهار السبت الثاني والعشرين من رجب جاء قبجي من طرف الدولة العلية واسمه سبانخ زادة لأجل الكشف على الجامع الأموي وعمارة قبّته وجهته الشمالية ومآذنه المهدومة في الزلازل، ومعه باش معماري وفعلة ورجال لأجل مباشرة تعمير الجامع المذكور.
وفي عاشر شعبان سار والي الشام محمد باشا الشالك إلى الدورة وأخذ معه أحمد بشه بن القلطقجي ومعه محمد آغا بن دالي وابن بكماز اللذين كانا هاربين مع ابن القلطقجي. فلما وصل محمد باشا ومن معه إلى نابلس توفي أحمد بشه بن القلطقجي. ودُفن بها، وكان موته بالطاعون، لأن مبادي الطاعون وقع خفيفًا من شهر جمادى الثانية، ولم يزل يكثر في رجب وشعبان، كما وجود الغلاء كما يأتي.
1 / 57