ونهار الجمعة، سلخ صفر قدم قبجي من إسلامبول، وأخبر بوفاة حضرة السلطان محمود خان بيوم الجمعة، والناس في الصلاة وجلس أخوه مكانه، وهو السلطان عثمان خان، والخطبة باسمه. فانهزّت الشام البلدة من هذا الخبر، وبقيت الناس مترددة في الاستقرار، إلى أن كان نهار الخميس عاشر ربيع الثاني جاء قبجي كبير من دار السلطنة ومعه منشور عظيم بأن صاحب الخطبة في سائر بلاد الإسلام السلطان عثمان خان، وأمر أن تزين دمشق ثلاثة أيام، فزينت زينة ما سمع بمثلها، أبقى الله تَعالى هذه الدولة العثمانية إلى آخر الدوران. آمين.
وبهذه السنة انتشر مرض الجدري في عموم الناس، حتى في الشيوخ والعجائز، ومات فيه كثير من الأولاد. وفي أوائل جمادى الأولى ذبح بيرقدار التفكجية في الخان الصغير الذي هو قبالة حمام الملكة، ولم يُعلم ذابحه، ولم يؤخذ من ماله شيء. ووجد بهذه الأيام قتيل في النهر، وقتيل في التربة وفي غير ذلك أيضًا. نسأله تعالى حسن العاقبة.
وفي منتصف جمادى الأولى جاء تقرير إلى مصطفى باشا أخي سعد الدين باشا بن العظم إلى صيدا، ولم يأت إلى أخيه أسعد باشا خبر شافي من جهة حكم الشام، وقد طال عليه المطال. والغلاء في كل شيء حتى التراب والقصرمل والأحجار والحديد والخشب، وغير ذلك من أدوات العمارة، وبالجهد الكلي حتى يحصل الإنسان على معلم أو نجار، وأجر الواحد بدينار ولا يوجد، والكلس واللبن لا يوجدان وهلم جرا. فقد ضاقت الأنفاس والأشياء زادت عن حد القياس، والباشا ومن حوله يجمعون المال في الأكياس، فنادى على اللحم فلم يوجد ونادى على الصابون فتبدّد، ونادى على الزيت، وكان له أغراض وأمور وأحكام تفتت الكبد، والمستعان بالله الفرد الصمد.
وفي تاسع عشر جمادى الأولى ظهر خبر بأن امرأة قتلت زوجها مع جماعة من الأشقياء، بدعوى أنه ينام مع مملوكه ولا ينام معها، وبعد قتله دفنوه في دهليز البيت، والقتيل ينتسب إلى الأكراد، وله قهوة بسوق الخيل، واسمه درويش آغا، فقامت الأكراد على ساقها في سوق الخيل، فجاء ولد صغير كان حاضرًا ومطلعًا على قتله ودفنه، فدلّهم على مقتله وداره، فذهبوا وألقوا القبض على الجميع، فوجدوا طبجي الباشا خليل آغا وأخو الزوجة ورجل آخر، فجاؤوا إلى الطبجي وقطعوه قطعًا، وقتلوا الرجل وأخا الزوجة، أما المرأة فإنهم أخذوها وغرقوها في مغرق البحصة في نهر بردى، ولم يسألوا عن الحكام، والحاكم لم يتعرض لهم فنسأله تعالى الفرج القريب.
وفي تلك الأيام شرع حضرة أسعد باشا والي الشام بترميم الجامع الأموي، حتى بلغني أنه اشترى طنافسًا أي فرشًا بأربعة أكياس. جزاه الله خيرًا.
وفي تاسع جمادى الأولى من نهار الثلاثاء نزل مطر عظيم وثلج جسيم، فزادت المياه حتى طاف نهر بردى، ووصلت الزيادة إلى تحت القلعة، ومشت إلى حارة العمارة، لكن ولله الحمد لم تضر بأحد ولا بالبنيان.
وبتلك الأيام صارت فتن بين عرب الشام وعرب عنزة كذا. وفي شهر رجب أرسل أسعد باشا والي الشام عسكرًا لعرب الفضل، فنهبوا مالهم وطرشهم وبعض عيالهم. وفي تلك الأيام شنق الباشا رجلًا حمّالًا من حارة البحصة، قيل إنه خنق رجلًا من جيرانه.
وفي منتصف شهر رجب جاء مقرَّر حضرة أسعد باشا والي الشام، وكانت السنة الثالثة عشرة من حكمه وإمارته للحج. وبهذا الشهر خرج حضرة والي الشام المذكور إلى الدورة، وجعل مكانه متسلمًا موسى كيخية لدمشق الشام. وثبت هلال رمضان هذه السنة ليلة الثلاثاء، وشعلت القناديل في المآذن، وصلوا التراويح قبل أن يضربوا المدافع، وما ضربت إلا بعد ساعتين.
وفي هذه الأيام عزلت الحكومة الأمير حيدر بن حرفوش عن بلد بعلبك، فأبى الخروج منها وأمر جميع من فيها بالرحيل وكل من أقام بعد ثلاثة أيام ينهب ماله وعياله. فرحلوا بعدما حرق بيوتهم وكرومهم وطفشوا إلى البلاد والقرايا، وأقام بها هو عاصيًا، ثم ضمن الأمير حسين بن حرفوش بعلبك، ورجعت غالب أهل بعلبك بلا أدنى حادث.
سنة ١١٦٩
1 / 47