ثم دخلت سنة إحدى وستين بعد المئة والألف، وكان أولها محرم الثلاثاء، وقد خربت القرى من جور الدالاتية، ومن أعمالهم التي هي غير مرضية.
قال المؤرخ البديري: وفي محرم توفي شيخنا ومحبنا الشيخ محمد المصري الأزهري الملقب بأبي السرور، ودفن بمرج الدحداح قريبًا من النهر بقبر مبلط بشاهدتين. كان رحمه الله تعالى عالمًا فاضلًا دينًا. ومن مناقبه أنه ما اجتمع به أحد إلا وحصل له سرور وفرح، ولو لم يتكلم، وهذا أكبر دليل على صلاح طويته.
وفي نهار السبت سادس وعشرين محرم جاء جوقدار الحج، وبشّر بأن هذه السنة لا نظير لها في الرخص والرخاء. وفي خامس صفر جاء كتّاب الحج وأخبر أن الحج متأخر من كثرة الثلج والمطر. وفي ليلة الثلاثاء من صفر الخير دخل الحاج ليلًا، وثاني يوم الأحد دخل أمير الحج أسعد باشا وأخوه سعد الدين باشا أمير طرابلس الشام. وقد حصل للحجاج في هذه السنة كل خير، ولم يروا مكدرًا سوى سيل جاءهم وهم في بدر، فأتلف وأغرق، وفي محلة العلا نزل ثلج ومطر وبدر، وصار للحج مشقة. لكن بها لطف عظيم. وفي غيبة الحاج جاء تقرير إبقاء لأسعد باشا في الشام.
وفي يوم الخميس سابع عشر صفر أجازنا الشيخ أحمد بأن نقرأ كل يوم عقب صلاة الصبح بعد الصلاة على النبي ﷺ يا عزيز سبعة وثمانين مرة، وأخبر أن خواصها عظيم، وأن يدعو المرء بعدها بما أحب، فإنها تجاب دعوته.
وفي اثنين وعشرين صفر الخير وردت خزنة مصر إلى دمشق والغلاء مشتد في دمشق، حتى صار رطل اللحم بثلاثين مصرية، ورطل الأرز باثني عشر مصرية، والخبز رطله بخمسة مصاري وبستة وبسبعة وكل من يبيع برأيه.
وفي آخر ربيع الأول من هذه السنة نادى حاكم الشام أسعد باشا على الفلوس كل تسعة بمصرية، والمصاري الفضة كل ستة وثلاثين بقرش.
وفي يوم الأحد ثاني ربيع الثاني قتل محمد آغا ابن الزرخلي، وهو كاتب العربي في طرابلس، وكان مع سعد الدين باشا حاكم طرابلس في الجردة، فلما رجع ووصل إلى الشام أمر أسعد باشا أن يرفع للقلعة، وبعد أيام أمر بقتله، فقتل، ولم يعلم ذنبه.
وفي نهار الثلاثاء آخر جمادى الثانية من هذه السنة وقعت الفتنة بين الأشراف والقبقول. وسبب ذلك أن رجلًا شريفًا اشترى من رجل شريف طبنجة وأراد أن يجربها، فأتى إلى الخندق ليجربها، فلما ضربها سمع صوتها آغة القبقول، وكان نائمًا، فاستيقظ مرعوبًا، وقال: ائتوني بمن يضرب بهذه البارودة، فجاءت أعوانه وقبضت عليه وعلى جماعة كانوا معه، وأخذوهم إلى أغاتهم، فأمر أن يضرب كل واحد منهم ثلاث مئة سوط، فضربوا ضربًا وجيعًا وتركوا كالأموات، ثم وضعوا شاشاتهم في لباسهم فبلغ نقيب الأشراف ما فعل بهم؛ فأرسل وأتى بهم إلى داره، وفي اليوم الثاني قامت الأشراف على قدم وساق، وهجمت على القبقول وتقاتلوا، فقتل من الأشراف ثلاثة، وجرح كثيرون وسكّرت البلد كلها. وفي اليوم الثالث صار ديوان عند أسعد باشا حاكم الشام، واجتمعت فيه الأعيان كالمفتي والنقيب والعلماء، ثم انقضى الديوان، وحكموا على القبقول بأن يعطوا دية الشهداء الأشراف لورثتهم. ثم أمر الباشا بأن تفتح الأسواق ويقصد الرزاق. وكان يوم الوقعة اثنان من الأشراف الأول يقال له السيد حسن شيخ شباب باب المصلى، والثاني السيد محمد بن الدهان من السنانية كان قد كرا بعصاهما وهجما على القبقول، وردوهم إلى القلعة خاسئين، وبعد يومين وهو نهار السبت بعد العصر بينما كان السيد محمد بن الدهان مارًا في القنوات، وإذا بشخص من جماعة القبقول ضربه طبنجة، فجاءت في بطنه. فقامت الأشراف وأهل البلد، وهجمت على أسعد باشا وأخبرته بالخبر، فقال لهم: إن مات قتلت غريمه، وإلا فأنا أدبره. فمات المضروب بعد الظهر، فذهبت الأشراف إلى الباشا، فأمر بإحضار الشهود لأجل الحكم على القاتل، فذهبوا للشهود، فلم يرض أن يشهد أحد على القاتل، وقالوا: من يشهد ليقتل، ويكون خصمه نحوًا من خمسة آلاف بطل شقي. وحاصله ما أثبتوا الدعوى، وتركوا دم الأشراف يروح هدرًا. والأمر لله العلي الكبير.
1 / 26