قال المؤرخ البديري: ذلك بما كسبت يداه، فقد كان ظلومًا غشومًا بغيضًا لأهل الشام، يريد لهم الجور والظلم، لا يراعي الكبار ولا الصغار، إلا ناس من الأشرار، وهم من حزب الشيطان، قد اتخذهم عدّة لكل عدوان. وتحقيق أمره وخبر قصة البطش به ألخصها، وأنا الفقير مهذب التاريخ ومحرر هذه الورقات، فأقول: ذكر المرادي في آخر ترجمة فتحي الدفتري المذكور ما ملخصه: كان المترجم يراجع في الأمور حتى من الوزراء والصدور، طالت دولته وعظمت عليه من الله نعمته، واشتهر صيته وعلا قدره ونشر ذكره، لكنه كان يتصدى للاستطالة في أقواله وأفعاله، وأتباعه متشاهرون بالفساد والفسوق وشرب الخمور وهتك الحرمات، وهو أيضًا متجاهر بالمظالم، لا يبالي من دعوة مظلوم، ولا يتجنب الأذى والتعدّي، ونسب إلى شرب الخمر أيضًا وغير ذلك. فلذلك كانت أقرانه وغيرهم يريدون وقوعه في المهالك، ولما توفي الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق الشام وأمير الحاج، وجاء من قبل الدولة الأمر بضبط أمواله ومتروكاته، نسب المترجم إلى أمور. وفي خلال ذلك تولى دمشق حاكمًا وأميرًا للحاج ابن أخيه الوزير أسعد باشا العظم الذي كان حاكمًا في حماة، فأكمد للمترجم فعله المنسوب إليه حين وفاة عمه، ولم يره إلاّ ما يسرّه. وكان المترجم منتميًا إلى أوجاق اليرلية. وكان الأوجاق في ذلك الحين قواه قائمة وجيوشه بالفساد متلاطمة، وهم عصبة وجموع يذل لهم أكبر قرم بالمذلة والخضوع، قد أبادوا أهل العرض وانتهكوا الحرمات وأباحوا المحرمات، ولم يزالوا في ازدياد حتى عمَّ فسادهم البلاد والعباد. وكانت رؤساؤهم زمرة ضالّة وفئة متمردة وصاحب الترجمة فتحي أفندي يوليهم مكرماته ويمنحهم إحسانه وإنعاماته، وهم لبابه وفود، قد اتخذوه ركنًا وسندًا، وأرباب العقول في دمشق في همّ وكدر وخوف وحذر، كل منهم متحيّر في أمره ومتخوف من هذا الحال وعوقب شرّه. وأمير الحاج وقتئذ والي دمشق أسعد باشا المذكور ناظر لهذه الحال. متحيّر من تلك الأحوال؛ لأن الشقي منهم كان يجيء إلى حبس السرايا ويخرج من أراد من المحبوسين من غير إذن أحد علنًا وقهرًا. وإذا مرّ الوزير المذكور بهم وهم جالسون لا يلتفتون إليه ولا يقومون له من مجالسهم عند مروره بهم، بل يتكلمون في حقه بما لا يليق بمسمع منه، فيتحمل مكارههم ولا يسعه إلا السكوت. واستمرّ أمرهم على ذلك، إلى أن كتب في حقهم للدولة العلية، فورد الأمر بقتلهم وإبادتهم، فأخفاه الوزير مدّة، ثم بعد ذلك أظهره، وشرع في قتلهم وإبادتهم، وأعطاه الله تعالى النصر، وفرجت عن دمشق الشدائد. ثم بعد أشهر قليلة كتب الوزير المذكور إلى الدولة العلية بخصوص صاحب الترجمة وما هو عليه، وأرسل الأوراق التي في حقه مع علي بيك كول أحمد باشا، وكان ذلك بتدبير خليل أفندي الصديقي وأعيان دمشق. ثم صادف أن صاحب الدولة كان حسن باشا، وكان يبغض المترجم فتحي لكونه لما جاء قريب حسن باشا المذكور وهو أحمد آغا آغات أوجاق الينكجرية طرده، وصار أخيرًا وزيرًا، فأدخل للسلطان أحواله، وعرفه طبق مكاتبة أسعد باشا. وكان أسعد باشا ضمن للدولة تركته بألف كيس، فجاء الخبر بقتله.
وكان قبل ذلك صار من أهل دمشق عرَض في خصوصه، فلم يفد وكان هو بإسلامبول، فأعطى العرض له، ولما جاء لدمشق صار يخرجه، وينتقم ممن اسمه مكتوب فيه. وكان السبب في ذلك وجود آغت دار السعادة بشير آغا، وكان المترجم منتميًا إليه، وكان للآغا المذكور نظر على المترجم وحماية، فصادف الأمر بالمقدور أن بشير آغا توفي وحان القضاء وآن وقته، فجاء الأمر بقتله، فقتل شر قتلة على الوجه الذي قدمناه، وبالتاريخ الذي ذكرناه.
وقد عمل البديري صاحب الأصل في واقعة فتحي الدفتري المذكور هذه المواليا، فقال:
يا ما فعل فتحي لما صار دفتردار ... غرّه زمانه وسعده حول داره دار
دولاب عزه رقص يا ناس لما دار ... لم يعتبر أن هذا الدهر بو غدار
1 / 18