ثم في هذه الأوقات زاد غلو الأسعار وقلت الأمطار وعظمت أمور السفهة والأشرار، حتى صار رطل الجبن بنصف قرش والبيضة بمصرية وأوقية السيرج بنصف الثلث، ومد الشعير بنصف قرش، ومد الحمّص بنصف قرش، ومد العدس بنصف قرش، وغرارة القمح بخمسة وأربعين قرشا، بعدما كانت بخمسة وعشرين غرشا، وأوقية الطحينة بأربعة مصاري، والدبس كل ثلاثة أرطال بقرش، ورطل العسل بقرش وربع، وكل شيء نهض ثمنه فوق العادة، حتى صار مدّ الملح بنصف قرش.
وفي تلك الأيام هلك مصطفى آغا ابن القباني كيخية الإنكشارية بمرض أعيا الأطباء برؤه، وكان من الذين يدخرون القوت ويتمنون الغلاء لخلق الله، فجعل الله العذاب والعقاب، لقد بلغني عنه أنه لما أرادوا دفنه حفروا له قبرًا فوجدوا فيه ثعبانًا عظيمًا، فحفروا غيره فوجدوا كذلك، حتى حفروا عدّة قبور وهم يجدون الثعبان، قلت: وقد سبق ذلك فيما سلف لبعض الظلمة. وقد وجدوا في تركته من السمسم مئة غرارة، على أن في البلد كلها لم يوجد مدّ سمسم، ووجدوا من القمح شيئًا كثيرا، وقد طلب منه أن يبيع غرارة القمح بخمسة وأربعين قرشًا فلم يقل، وحلف لا يبيعها إلاّ بخمسين، فهلك ولم يبع شيئًا، فبيعت في تركته، ورحم الله عباده بموته لأنه أرحم الراحمين.
سنة ١١٥٩
ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومئة ألف، وكان أولها يوم الأحد. وقد دخل قاضيها مصطفى أفندي وقدامه أعوانه حاملين البندق والسلاح، حتى وصل إلى المحكمة، وهذا لم يقع لغيره، ثم جلس في المحكمة لا يحرك ساكنًا، وفقه الله.
وكان الحاكم في الشام والوالي بها حضرة الوزير الخطير أسعد باشا ابن العظم أيّده الله وأعزّ كلمته. وكان غائبًا في الحاج، والمتسلم والكيخية موسى. ولكن الغلاء قائم على قدم وساق مع الكرب والخوف والشقاق.
وفي ثالث صفر دخل الحاج دمشق نهار الخميس صحبه أميره المعظم والوزير المفخم حضرة الحاج أسعد باشا العظم، فهو والحجاج على غاية من الصحة والسلامة. ثم بعد ذلك أرسل يطلب الدالاتية طلبًا حثيثًا، فلما رأت الإنكشارية ذلك ضاقت عليهم الأرض، وقالوا كأقوالهم السابقة في قلة أدبهم: الست سعدية تريد أن تغدر بنا، وهذا الأمر لا يخوفنا. ثم زادوا بحمل السلاح ونهب المال وسبي العرض وسب الدين، وغير ذلك من الفظائع. ولما زادوا عتوًّا وفتكًا، ولم يراقبوا حضرة الحق ﷻ، أرسا الله تعالى من غضبه ريحًا شديدة على الشام ما رؤي مثلها في سالف الأيام، فقلعت الأشجار من أصولها وأرمت غالب الجدران، حتى ظنت الناس أن القيامة قد قامت.
1 / 15