وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال ولي مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي استاذية الدار، وخنع عليه في دار الوزارة وركب في جمع كثير واسكن في الدار المقابلة لباب الفردوس، ولما قبض على القمي، قال الشعراء في ذلك أشعار كثيرة منها ما قاله الحاجب محمد بن عبد الملك الوظائفي وحرض الخليفة على قتلهما بألفاظ رمات البندق. وهو:
لقد انتحى المستنصر المنصور ... يوم المكين كما انتحى المنصور
ملك الخراساني ذاك ببغية ... وكذا خراسانينا المأسور
لا تبقه ياخير من وطىء الحصا ... فالحزم أن لا يهمل الموتور
وأفصم عرى عنق القصير فدونه ... في المكر والكيد الوكيد قصير
مولاي في وجه العداة صرعت ... مصطحبا وطير المخر فيه وكور
أخليت منه الجو في ندب وكم ... حامت عليه ولم تنله نسور
خيشته لكن مفيقا فاتبع ... ما سنه في البندق الجمهور
والرأي تذكية المفيق فإنه ... مازال يملك روعة ويطير
فالكي مخلفه لديه واضع ... في حده عضد له وظهير
لا تأمنن عليهما في محبس ... ضنك فعندهما له تدبير
كم هارب من قلة في قلعة ... ولكم نجا بقيوده مطمور
فاقتلهما بالسيف أحوط حارس ... لهما وهذا أول وأخير
ضل المكين بكل ما صنعت به ... آراؤه في دسته المغرور
وتر الخلافة بالخلاف ولم يكن ... قد رد تدبير الملوك وزير
فعزمت فيه عزمة نبوية ... كادت لسطوتها السماء تمور
حرست ثغور المسلمين بعزلة ... وتبسمت للعالمين ثغور
وفيها، ولي جمال الدين علي ابن البوري حجابة باب النوبي، وفيها، قطع الشيخ محمد المعروف بالواعظ عن الوعظ ومنع من الجلوس بباب بدر، وكذلك العدل اسماعيل بن النعال الواعظ.
وفي ذي القعدة، استناب نصير الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد نائب الوزارة أخاه جمال الدين عبد الله في الوكالة ليتوفر هو على أمر الوزارة، وفيه، انعم الخليفة على الأمير علاء الدين الطبرسي المعروف بالدويدار، الكبر بالدار المقابلة لباب الحرم المجاورة لداره، وانتقل عنها معلى بن الدباهي.
وحج بالناس في هذه السنة الأمير شمس الدين أصلان تكير الناصري.
وفيها، توفى أبو بكر محمد بن عبد الغني المعروف بابن نقطة وكان على طريقة حميدة وقاعدة جميلة، عني بعلم الحديث وسماعه، وسافر البلاد في طلبه.
وفي خامس شوال، توفي جمال الدين محمد بن علي بن خالد الكاتب شيخ فاضل عالم بالسير والأخبار، كتب بخطه كثيرا وجمبع عدة مجاميع، واختصر كتاب الأغاني للاصفهاني وخدم في عدة أعمال. منها كتابة المخزن وخزانة الغلات بباب المراتب، وأشراف البلاد الحلية وغير ذلك، وصنف كتابا في علم الكتابة وسماه جوهر اللباب في كتابة احساب.
سنة ثلاثين وستمائة
في المحرم، قلد العدل مجد الدين أبو القاسم هبة الله بن المنصوري الخطيب، نقابة نقباء العباسيين والصلاة والخطابة وخلع عليه قميص اطلس بطراز مذهبا ودراعة خارا اسود، وعمامة ثوب خارا اسود مذهب بغير ذوابة، وطيلسان قصب كحلي، وسيف محلى بالذهب وامتطى فرسا بمركب ذهبا، وقرىء بعض عهده في دار الوزارة وسلم إليه، وركب في جماعة إلى دار أنعم عليه بسكناها في المطبق من دار الخلافة وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وهو من أعيان عدول مدينة السلام وأفاضل أرباب الطريقة المتكلمين بلسان أهل الحقيقة. كان يصحب الفقراء دائما ويأخذ نفسه بالرياضة والسياحة والصوم الدائم والتخشن التباعد من العالم، وكان الموفق عبد الغافر ابن الفوطي من جملة تلامذته فعمل فيه أبياتا طويلة، لما انتهى حالها إلى الديوان أنكر ذلك عليه ووكل به أياما ولم يخرج إلا بشفاعته، وأول الأبيات:
في دسته جالسا ببسملة ... بين يديه أن قام في أدب
وركبة منه كنت أعهده ... يذم أربابها على الرتب
وكان أبناؤها لديه على ... سخط من الله شامل الغضب
أصاب في الرأي من دعاك لها ... وأنت لما أجبت لم تصب
صفحه ۹