على بعض، فالخلق محدود مربوب ، يتصرف فيه الباري تعالى بقدرته وإرادته ومشيئته؛ ليس الخلق بعضا من أبعاضه، ولا صفة من صقاته، ولا هو عين ذاته ، بل هو سبحانه ذات منفرد بنفسه، مباين عن جميع خلقه بذاته وصفاته وأسمائه ووجوده؛ فجميع الحركات والسكنات في الخلق صادرة عن مشيئته، وليس هو المتحرك فيها، بل هو المحرك لها، وليس وجودها وجوده، بل لها وجود محدث مفتقر إلى وجوده، كما أن للموجد سبحانه وجود قائم به غير وجودها كما يليق بربوبيته، وللمخلوق وجود قائم به مفتقر كما يليق بعبوديته. فحين جعل الوجود وجودا واحدا ساريا في كل ماهية من الخلق والحق؛ فقد ضل واعتدى ، ومن زعم أن الخلق إنما يمتاز عن الحق بحيثية ما اقتضاه استعداده من قبول الفيض فقط، كان في العدم ثابتا متعددا متنوعا، فقد زاغ عن المحجة الصحيحة والنهج السوي؛ قاتل الله القائلين بهذه المقالة فأنى يؤفكون. والسبب الموجب لنظم هذه الأحرف هو ما وقر في القلوب من ترهات ابن عربي، حيث صار لها شأن في قلوب السالكين، وخطر عند المبتدعين من الطالبين، وما ذلك إلا لقصور فهمهم عن مقاصده، وعجز بصائرهم عن ملاحظة اتحاده في شقائه ، استخرت الله بتعليق كلمات تكون - إن شاء الله تعالى - كشفا لستر مقالته، ومنبها على إلحاده وضلالته مما نقلته من كلامه عن «فصوص الحكم» نقل المسطرة ؛ ليزول بذلك عن الكاشف لستره كل تهمة، وليزن العاقل مقالته على ما دل عليه دين الرسول صعلم فيزنه بالدين الناقد البصير، ليظهر له زيفه وانحرافه وتهوكه وعناده، ولعمري لا يقدر
صفحه ۳۰