والتفت إلى ابن حيان فقال: اجلس يا أخي واهدأ فقد كاد يذهب بأنفاسك طول الطريق، ثم عرفني بهذا السيد حتى أقوم له بحق الكرامة. فقهقه ابن حيان وقال: على أن نعرف ما كنت تكتب! - قبلت شريطتك. - هذا يا أخي أبو الفضل محمد الدارمي، قدم إلينا من بغداد تحفزه رغبة بعيدة المنال، ويحدوه أمل في جمع كلمة العرب بعد أن فرقتهم النوازل والأضغان. فتهلل وجه ابن زيدون وصاح: هذه أمنيتي يا سيدي! فإني أعتقد أن العرب لن تعود إليهم قوتهم إلا إذا اتحدت رايتهم، واتفقت كلمتهم، وكانوا بنيانا مرصوصا لا مطمع فيه لعدو. فزفر ابن حيان ثم قال: وأين الثريا من يد المتناول؟
فأسرع ابن زيدون يقول: لا تيأس يا شيخ من روح الله!
وهنا قال الدارمي: لقد تنقلت في إفريقية، وحادثت أمراءها، ثم بلغت الأندلس منذ عام، وقابلت ابن عباد صاحب إشبيلية، وابن ذو النون أمير طليطلة، وابن صمادح زعيم بطليوس ورأيت منهم ميلا إلى لم الشمل وجمع الكلمة.
فهز ابن حيان رأسه في تهكم وسخرية وقال: بشرط أن يكون كل أمير منهم هو الرئيس الأكبر!
فعجل ابن زيدون وقال: اتق الله يا حطيئة التاريخ! - لو وجدت خيرا ما كتمته. - إن لك عينا لا ترى إلا الشر. - لا والله! ولكني لا أكتم الحق ولو طاح فيه رأسي. - ما رأيك في ابن جهور عميد الجماعة؟ قل وكن شجاعا.
فتردد أبو مروان قليلا ثم قال: إني أقولها في وجهه يا فتى، ولو كنت أهاب السيف ما حملت كفي قلما. إن ابن جهور خير من ساس هذه الدولة بعد أن تمزقت أوصالها، ورثت حبالها، وهو من أشد الناس تواضعا وعفة، وأشبههم ظاهرا بباطن، وأولا بآخر، لولا أنه يحوط ماله بالبخل الشديد، ويغلق باب خزائنه في وجوه السائلين.
فقهقه ابن زيدون وقال: لم يسلم الرجل من لدغة الثعبان!
وعجل أبو مروان يقول: أي ثعبان يا فتى؟ لقد أطريت الرجل، وكفى المرء نبلا أن تعد معايبه.
فزفر الدارمي في أسف قائلا : لقد زرته فرأيته على سجاحة
2
صفحه نامشخص