والدنيا إذا أقبلت أقبل معها كل شيء. وكأن الأمور فيها تجذب أمثالها، فالنحس يجتذب النحوس، والسعد يدعو إليه السعود. وقديما قالوا: المصائب لا تأتي فرادى، ولا ندري لم لم يقولوا أيضا: إن النعم لا تأتي فرادى!
عاش ابن زيدون في هناءة وبلهنية، وصبح فتى قرطبة المدلل، وبطلها المرجى، وشاعرها الذي لا يجارى، وكاتبها الذي لا يمارى
2
نال السعادة في الحب حينما رضيته ولادة خطيبا، فغنى بهذا الحب، وأرسل فيه أشعارا أرق من النسيم، وأنضر من صفحة الروض الوسيم. ولقد كان حبهما عذريا فردوسيا أطهر من ماء الغمام، وأصفى من بسمات الصباح، ثم نال السعادة في منصبه، فأعلى ابن جهور مكانه، واصطنعه لنفسه، ونوه بفضله، وأشاد بذكره، وقدمه على نظرائه، وكثيرا ما أنفذه إلى ملوك الطوائف ليسفر بينه وبينهم، وكثيرا ما استكتبه الرسائل التي تضرب ببلاغتها الأمثال.
ولما عظم إقبال الدنيا عليه كثر حاسدوه والناقمون منه، فهو يقول لابن جهور في قصيدة:
فديتك كم ألقى الفواغر من عدا
قراهم لنيران الفساد ثقاب
عفا عنهم قدري الرفيع فأهجروا
وباينهم خلقي الجميل فعابوا
إذا راق حسن الروض أو فاح طيبه
صفحه نامشخص