7
منها الرسائل بعد أن حققت النظر فيها، ثم أسرعت في النزول وكانت النار قد أخمدت، فحمدت الله على زوال الخطر وقبلت عائشة في حنو، ومحبة وهي تودعها، وحينما بلغت الباب التفتت إليها وقالت وهي تغمز بإحدى عينيها: أظن هذا المفتاح سقط منك يا زهرتي الصغيرة، وأنت تسرعين إلى إطفاء النار. فصعقت عائشة، وفتحت فاها دهشة مذهولة، وهمت بأن تثب على نائلة، ولكنها كانت فوق المحفة يعدو بها عبيدها كما تعدو كرائم الخيل.
وأمرتهم نائلة أن يذهبوا إلى دار ابن زيدون، وما كادوا يصلون إليها حتى أشرف عليهم فوق بغلته، وحين رأى نائلة نزل ليحييها وهو يصيح في فرح وصوت متقطع: تقلدت الوزارة! جئت الآن من دار الرياسة. قابلت ابن جهور. إنه رجل عظيم. من أين جئت يا خالتي؟ - من دار عائشة. - عائشة! عائشة! قاتل الله عائشة! ماذا كنت تصنعين في دارها؟
فضحكت وقالت: كنت أطفئ نارا بنار. ثم ألقت في يده الرسائل وهي تقول: خذ رسائلك أيها الوزير العظيم، واحذر أن تكتب غيرها. فصاح ابن زيدون في فرح يشبه الجنون. - الرسائل! الرسائل! ورمى بنفسه يقبلها ويعانقها، ويحجل بإحدى قدميه كما يحجل الصبيان، ثم أخذ يهب نحو الباب قائلا: كيف حصلت عليها يا خالة؟ فقصت عليه الخبر، فقام إليها يكرر عناقها وتقبيلها وهو يغمغم: أنت ملكي الحارس! أنت نبراس حياتي ومنقذ آمالي؛ ثم ودعته وانصرفت بعد أن كررت تهنئته بالوزارة.
جلس ابن زيدون وفتح الرسائل، فكان في إحداها:
أما ابن جهور فزق
8
نفخته الكبرياء، وصورة من نفاق ورياء، يخدع الناس بلحيته الحمراء، ومسبحته السوداء. من رجل يثب عند الطمع، ويختفي عند الفزع! لو كان في الجاهلية لكان هبل،
9
أو كان كوكبا لكان زحل.
صفحه نامشخص