يكاد يؤدي شكرها الحجر الصلد
هي الرجس إن يذهبه عنه فمحسن
شهير الأيادي ما لآلائه جحد
مظنة آثام، وأم كبائر
يقصر عن أدنى معايبها العد
فرفعت ولادة رأسها كالمفكرة وقالت: ابن زيدون ؟! هذا فتى يزاحم حول سلم المجد، ولكنه يلاقي أقداما أثبت من قدمه، وسواعد أشد من ساعده. وهو يبيع نفسه رخيصة في سوق الحسان. والمجد وعبث الشباب لا يجتمعان! - إنه يا سيدتي فتنة أهل قرطبة، وبطل أحلام كل فتاة، وقد أصبح شعره أنشودة في كل فم، وقرطا في كل أذن. غنى به المغنون، وأنشده المنشدون، ولا يكاد يخلو مجلس في قرطبة من إنشاد أبيات له تهتز لها الأعطاف، وتطرب النفوس.
ذهبت يوم الثلاثاء الفائت على عادتي إلى دار مريم العروضية، لأحضر بعض دروسها، لأنها تعقد في دارها مجالس لتهذيب بنات العظماء والأشراف في اللغة والأدب. - أعرفها وأعرف أن كثيرا من أدباء قرطبة يأخذون عنها، وأنها تحفظ «الكامل» للمبرد و «النوادر» لأبي علي القالي. - نعم يا سيدتي. جلسنا في بهو فسيح في دارها، وكان هناك بعض الفتيات الجميلات اللاتي تظهر عليهن آثار النعمة، ودلائل الثراء، وأخذت مريم تتحدث عن الشعر في إشبيلية، وما يبدو من الفروق بينه وبين شعر قرطبة، ثم أنشأت تشيد بشاعر إشبيلي سمته أبا بكر، زعمت أن له غزلا رقيقا، وأسلوبا ناعما، وخيالا لطيفا، وأنشدت له:
يا أبدع الخلق بلا مرية
وجهك فيه فتنة الناظرين
لاسيما إذ نلتقي خطرة
صفحه نامشخص