بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي(1)
يا خارجا عن دين آل محمد
بدخوله دين المجوس الخرمد
أي بدخوله دين الباطنية؛ لأن أصل دينهم المجوسية على ما يأتي إن شاء الله تعالى، والخرمد أصله: الخرمدين(2) وهي(3): لفظة عجمية عبارة عما يستلذ ويشتهى فصار علما للباطنية؛ لأن مذهبهم راجع إلى رفع التكليف، واتباع الشهوات مما حرم الله تعالى، وقد كان من قبل لقبا وعلما للمجوس الذين ظهروا في أيام قياد، وأباحوا النساء وكل حرام، فلقب به الباطنية، وجعل علما لهم لمشاركتهم للمجوس المذكورين في ذلك، وإنما قلنا: الخرمد وأصله الخرمديني لجواز ذلك في الأعلام العجمية كما جاز أرسطا في أرسطاطليس(4) ، وكما جاز نمرد في نمرود وغير ذلك، لأن العرب يقولون: [أعجمي فالغيت به ما شئت.
صفحه ۱
ومعمدا لمهدم الأرجاء
نسج العناكب باطل أن يعمد
ومعمدا: عطف على خارجا عن دين آل محمد، المنادى، والأرجاء: الجوانب، والعناكب جمع عنكبوت، ونسجها في غاية الضعف كما وصف الله تعالى في قوله: {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت}، فبطلانه إذا جعل له عمود معلوم فاستعير لمذهب الباطنية من الصوفية لبطلانه](1).
صفحه ۲
أبنظم مقهور لديك ومكره ... عود لعود محرق ومرمد المقهور المذكور في البيت هو: محمد(1) بن عبد الله بن الإمام شرف الدين، أمره سنان(2) أن يذب عن مذهب الصوفية الحلولية الإباحية بقصيدة له ويجيب بها(3) على (الكامل المتدارك في بيان مذهب المتصوف الهالك) قصيدة فيها بيان مذهبهم وحذرنا المسلمين منه، فشبهنا الصوفية ومذهبهم بالعود المحرق المصير رمادا، ورجوع ما كان كذلك عودا محال؛ لأن أهل الحق قد عرفوا مذهبهم وتجنبوه.
ونظامه لو أنني خليت لم ... أك حافلا وجه لعذر مهمد
الحافل: المحتشد المجد المبالي.
قال في (الصحاح) (4): حفل القوم واحتفلوا: اجتمعوا واحتشدوا.
صفحه ۳
وقال فيه حفلت السماء: جد وقعها، وقال: وحفلت بكذا أي باليت به، والمهمد: المسكن [مأخوذ](1)من همدت النار إذا طفيت، فالمعنى انه همد هذا الظالم أي سكته بهذه القصيدة، وإن كانت مخالطته للصوفية وتلبسه بهم وحضوره معهم يقضي بخلاف ذلك. والله أعلم؛ لأنه قال في قصيدته ما لفظه:
ولو أنني خليت لم أك حافلا
بجواب نظم للمراء مجرد
والناس تعلم ما التعرض شيمتي
كلا ولا طبعي له بمعود(2)
لكن أجبتك طاعة إذ حثني
لجوابها أمر الأمير الأمجد
فاسمع عجالة راكب وجواب مي
دان ضعيف قلته لم يحصد
طوع الأمير سنان من أربى على
أمراء سلطان الأنام محمد
ولهذه الأبيات قلنا: أنه مكره
لولا تدبر خبطه وجزافه ... مهما يذب من آجنات يجمد
شبه قوله بالمياه الآجنة، وهي: المتغيرة الخبيثة، فتارة يذيبها أي ينطلق فيها، وتارة يجمدها كأنه يرجع عنها؛ لأنه ذب عن الصوفية وخلى عن الحلولية.
وعن أهل جبل أسلم ووضره، وتارة قال: إن اللهو من الرسول شائع.
ثم قال بعد ذلك: إنه مكروه، ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سد مسامعه.
قال في قصيدته:
ولقد قدحت على جميع القوم من
بالرقص طورا والحلول وتارة
وأولوا الحلول والاتحاد سواهم
أهل الطريقة قائلون بكفرهم ... أهل التصوف والطريق الأقصد
بالاتحاد رميت رمي تعمد
لايستوي هاو وهاد مرشد
طالع دفاتر علمهم وتفقد
قلت وبالله التوفيق:
صفحه ۴
هذه [هي ](1) الطريقة المعروفة عند الباطنية وهو أنهم يقولون: إذا عيب عليهم شيء من مذهبهم ذلك مذهب الباطنية
وهم غيرنا، وقد رد عليه من حشا على قصيدته من أهل المعرفة فقال: قد طالعنا وتفقدنا (تائية ابن الفارض)(2)، (وديوان الحكاك)، و(مصنفات ابن عربي) (3)، فما انقضى عجبنا مما رأينا، ولو كنا نسمع ما صدقنا، ولقد أغنى جدك الإمام شرف الدين(4) عليه السلام ما ذكره في (شرح خطبة الأثمار) (5) مما يستغرق مجلدا أو مجلدات، وما برهن فيه من الحجج الصحيحة -قدس الله روحه-.
صفحه ۵
وقال أيضا في قصيدته:
لاتقدحن في حق أهل الحق
أهل الله أرباب التقى والسؤدد(1)
وجعلت حجتك التي تدلي بها
فعل الرعاع وكل قدم أوغد
مهلا فما في أسلم أو وضرة
أو في المحرق حجة لك فاقصد
وفي هذا نص صريح منه بالتسليم لما قلنا وحذرنا من أهل الحلول والفاعلين المنكرات في البلدان المذكورة، وقال:
والزمر ما قام الدليل بحظره ... بل للكراهة للأدلة فارتد
لو كان تحريما نهى الزمار عن ... زمر وكان لسمعه لم يسدد
وفي هذا مناقضة.
ومن أين له أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عن الزمر؟ وقد أتى من الأدلة ما يدل على أنها محرمة مما لايقدر على دفعه إلا بالمكابرة! كما يأتي إن شاء الله تعالى.
فبقطعه أن الرسول شفيعكم ... هيأ لكم كفرا بشرعة أحمد
شرعة أحمد: هي شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان قطعه بالشفاعة لهم قوله:
ومفرط مسترسل مع نفسه
ملق إلى شهواته بالمقود
يعصي ويرجو أن ينال شفاعة ال
صفحه ۶
مختار وهي له إذا لم يلحد فقطع بأن الشفاعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل ذي كبيرة إذا لم يلحد، والمعلوم أن الملحد هو غير المشرك، واليهودي والنصراني والمجوسي، فحينئذ قد أثبت لليهود، والمشركين، والنصارى، [والمجوس](1) الشفاعة، ولم يمنعها إلا من الملحد، وهو الذي لم يتخذ له إلها أصلا، وهذا رد لقوله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} ونحوها(2)، ورد للآيات الشاهدة بخلود من خالف دين الإسلام في النار.
أيبيح ما حظر الإله عليكم ... ويرد آيات الكتاب لمسمد(3)
المسمد: مصدر سمد إذا لهى، وهذا البيت وجه بيان كفرهم؛ لأن من أباح ما حرم الله فقد رد ما أنزل الله من الآيات الدالة على تحريم المحرمات، ورد ما علم من سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن رد ذلك فكفره معلوم من الدين ضرورة.
ومقاله وسعته جل قلوبهم ... عين الحلول عمى لعين الأرمد
قال في قصيدته:
وسعته جل قلوبهم إذ ضاقت ال
صفحه ۷
أكوان وسعا عن محل أوحد وقوله هذا تصريح بالحلول؛ لأنهم يقولون -لعنهم الله-: منهم من يحل الله في قلبه، ومنهم من يحل في لسانه، ومنهم من يحل في جبينه [ومنهم من يحل في يده، ومنهم من يحل في فخذه](1)، ومنهم من يحل في كله، فيقولون - رضت أفواههم-: هذا رب كامل، وهذا نصف رب ، وهذا ربع رب على حسب ما يقدرون من الحلول في أعضائهم(2) -لعنهم الله وأخزاهم-، واستعير عين الأرمد للفطنة التي لم يعرف بها صاحبها مقصده، هذا كما قال صاحب البردة:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد .....البيت
ومقاله وأولو الحلول سواهم ... كمكحل عين العمى بالإثمد
شبه ما صرح به من الحلول وإنكاره في قوله:
وأولو الحلول والاتحاد(3) سواهم ... .. ... .. البيت
بالكحل لعين الأعمى الذي لايبصر تعجب الناظر إليها، وهو لا يعرف انتفاء ما يراد منها من البصر الذي هو نعمة عظمى.
ويقول من أعني بتحذيري وذو ال
بصر السليم يرى إذا لم يرمد
أستعير للفطنة البصر السليم، وقوله: إذا لم يرمد بعد قوله فيما تقدم عمى لعين الأرمد ليس من الإيطاء(4) الذي هو من عيوب الشعر؛ لأن الأرمد صفة، ويرمد فعل مضارع، وهما مختلفان في اللفظ والمعنى
إن الذين عنيتهم ووسمتهم ... فوق الخراطم كية لم تخمد(5)
الخراطم: جمع خرطوم وهو من الأنف.
وكية لم تخمد: يعني لم يسكن لهيبها وحرها وألمها.
صفحه ۸
القائلون إذا مسافحهم دنا ... من شاء يغمد سيفه فليعمد
أي المعنى بما ذكرته في (الكامل المتدارك) الذين يبيحون الفروج وجميع ما حرم الله تعالى.
وعجز البيت وهو:
من شاء يغمد سيفه فليعمد
مأخوذ من كلام بعض الباطنية حيث(1) قال ما لفظه:
من شاء يغمد سيفه في أخته فليغمد
المائلون(2) إلى الفصوص وشبهه
والقائلون(3) إلى مهاويه أعمد
(الفصوص): كتاب لابن عربي كبير الصوفية الحلولية، مدح فيه الأوثان، وصوب جميع من أدعى الربوبية، كفرعون -لعنهم الله جميعا-، وأباح جميع ما حرم الله، وصار في زماننا عمدتهم، ويرجعون إليه ويخفونه عمن يخافونه من أهل الإسلام.
والمهاوي: جمع مهواة وهي: الدحلة في الأرض، والهوة التي يهوي من وقع فيها فيهلك ويعطب، أستعير لما زينه من الكفر لفظ المهاوي للمشابهة بينهما؛ لأن الواقع في المهاوي يعطب[وكذلك الواقع فيما زينه صحاب الفصوص يعطب](4)، وأعمد معناه: اقصد.
قال في (الصحاح): وعمدت للشيء أعمده عمدا قصدت له وهو نقيض الخطأ، وإنما عدل عن أقصد إلى أعمد لالتزام الميم قبل حرف الروي في جميع القصيدة.
ويقر طورا بالحلول لمن عنى ... ويقول حينا قد قذفتم من مدي
من مدي: أي من قطع بالمدية بضم الميم أعني ميم مدية وكسرها(5)، وهي: السكين الصغير.
صفحه ۹
أما إقراره بالحلول، فقوله: وأولو الحلول سواهم، فهذا إقرار بإثبات أهل الحلول الذين لايعني سواهم ممن يعتزي إلى الإسلام.
ويقول يرقص من جهالته الوصي
والسيدين بلازم لم يضمد
يضمد بالضاد المعجمة بنقطة فوقانية، والمعنى: لم يضمد اللازم الذي ذكره، أي لم يشد بشيء من ألفاظ (الكامل المتدارك)، مأخوذ من قولهم: ضمد فلان رأسه إذا شده بعصابة أو ثوب غير عمامة، هكذا ذكره في (الصحاح).
والمراد بالوصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والسيدين ولداه سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والدليل على كونه عليه السلام وصيا هو ما رواه جماعة العترة عليهم السلام وشيعتهم رضي الله عنهم، يروون خلفا عن سلف حتى يتصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أوصى إليه وسماه وصيا بألفاظ متفقة المعنى، وقد يختلف اللفظ قليلا وذلك معلوم لمن نظر في مصنفاتهم وعلومهم، والمخالف يوافقنا في صحة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له عليه السلام: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي(1))).
وقد ثبت في كتاب الله تعالى وأن موسى، قال لهارون عليهما السلام: {اخلفني في قومي} فالخبر يقضي بأن النبي قد قال له: ((اخلفني في قومي)) وهذا هو معنى الوصية إذ لو لم يكن ذلك لاستثناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما استثنى النبوة.
صفحه ۱۰
وفي (مسند ابن حنبل(1)) بإسناده إلى أنس(2) -يعني بن مالك- قال: قلنا لسلمان(3): سل النبي من وصيه؟
فقال له سلمان: يارسول الله من وصيك؟
فقال: ((ياسلمان من كان وصي موسى)) ؟ فقال: يوشع بن نون.
قال: قال: ((وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب)).
صفحه ۱۱
ومن (تفسير الثعلبي(1)) بإسناده: إلى البراء يعني بن عازب(2) قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلا، الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العيس، فأمر عليا أن يدخل شاة، فآدمها، ثم قال: ((ادنوا باسم الله)) فدنى القوم عشرة عشرة، فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة، ثم قال لهم: ((اشربوا باسم الله)) فشربوا حتى رووا، فبدرهم أبو لهب، فقال لهم: هذا ما سحركم به الرجل، فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم[ولم يتكلم ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطهاك والشراب ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ](3)، فقال: (( يابني عبد المطلب أنا(4) النذير إليكم من الله عز وجل، والبشير بما لم يجيء به أحد، جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوا تهتدوا ومن يؤاخيني ويوازرني ويكون وليي، ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني)) فأسكت القوم، فأعاد ذلك ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي: أنا، فقال: ((أنت))، قام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك.
صفحه ۱۳
ومن (مناقب الفقيه ابن المغازلي الشافعي الواسطي(1)) في تفسير قوله تعالى: {والنجم إذا هوى} بإسناده إلى ابن عباس(2) رضي الله عنه، (قال: كنت جالسا مع فتية من بني هاشم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ انقض كوكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من انقض هذا النجم في منزله فهو الوصي من بعدي))، فقام فتية من بني هاشم، فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة، فقالوا: يارسول الله غويت في حب علي، فأنزل الله تعالى: {والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى...} إلى قوله: {وهو بالأفق الأعلى})(1).
ومن (الجمع بين الصحيحين) للحميدي(2) مما اتفق عليه البخاري ومسلم، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بكتاب الله تعالى، وفي(3) الحديث الذي أسنداه إلى عبد الله بن أبي أوفى(4).
قال الحميدي: وفي حديث مهدي زيادة ذكرها ابن مسعود(5) وأبو بكر البرواني، وفيما عندنا من كتابتهما وهي: قال(6) قال هذيل بن شرحبيل: أبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
صفحه ۱۴
وفي (صحيح البخاري) من كتاب الوصايا: حديث إبراهيم عن الأسود قال: ذكروا عند عائشة أن عليا كان وصيا، فقالت: متى أوصى إليه ... الخبر(1).
قلت وبالله التوفيق: هذا دليل على صحة الوصية لعلي عليه السلام، ولا وجه لإنكار عائشة؛ لأنها متهمة في حقه عليه السلام، لخروجها عليه يوم الجمل.
وعن عائشة في حديث الصلاة أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أبا بكر بالصلاة، قالت: أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاصبا رأسه يخط الأرض برجليه يتهادى بين أسامة بن زيد(2) والفضل بن العباس(3) ورجل آخر كرهت عائشة أن تسميه، فقيل لابن عباس: من الرجل الذي كرهت عائشة أن تسميه؟
قال: هو علي بن بي طالب. فقيل له: وما الذي منعها أن تسميه؟
صفحه ۱۵
قال: إن نفسها لم تطب له بخير؛ ولأن رواية الإثبات، وهي رواية الجماعة الذين أعلنوا بذكر الوصية في حصرها أرجح من رواية النفي عند المحققين من الأصوليين.
وأما كون الحسن والحسين عليهما السلام سيدين(1) فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(2))).
رجعنا إلى ما نحن بصدده، وذلك أنه قال في قصيدته:
ولقد أتيت الراقصين بحجة ... غرا وعذر للجواب ممهد
إن قلت في صدر القصيدة شآذرا ... ما زال ذلك منذ غيبة أحمد
فإذا علي والحسين وصنوه ... حسن لهم في الرقص أول مبتدي
وهذا الإلزام لم يعصب بشيء من ألفاظ (الكامل المتدارك)، وستقف على تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.
صفحه ۱۶
من أين يلزم ياضلول فعددا ... فرق الروافض للوصي وقرمد الروافض المراد بهم هنا: التاركين لعلي عليه السلام، والمائلين عنه؛ لأن الرفض في اللغة الترك، ومعنى قرمد: ابن [إذا بنى بحجارة وآجر] (1).
قال في (الصحاح): بناء قرمد: إذا بناه بحجارة وآجر، والمعنى أنشد أبيات (الكامل المتدارك) استعار لأنشد قرمد، والمعنى عدد فرق الروافض المذكورة في أبيات ( الكامل المتدارك)؟ الذي قلنا: قرمدها أي أنشدها وهي قولنا:
عز الحزين لرفض آل محمد
قال الرسول بأنهم سفن النجا
فتغافل الأقوام ثمت أحدثوا
حكموا بأن الحق في أيدي الألى
وتفرقوا شيعا على شنع لهم
تأتي الفواحش ثم لاترضى بها
وترى المشبه لايقوم بركعة
وتكلم المرجي بما ثمراته
فتسهلت طرق بذا لمكائد
لبس المجوس ثياب من رفض الدنى
ثمت اتوه على اليمين بفرية
رمزوا إليه بأن ربك عاشق
وبأنه اتخذ المليك بخرد
استقر فليس إلا ذاتها
قالوا فمن كان المحب لربه
إذ لا يحرم ضمها وعناقها
وتأولوا آي الكتاب بباطل
وتقولوا زورا على خير الألى
تزندق النظار لا يهوى سوى
وتخير الغزلان أشباه المها
ثم استوى متغنيا بقريضه ال ... ما زال ذلك منذ غيبة أحمد
لن(2) يفرقوا وحي المعيد المبتدي
بدعا تخالف آل أحمد عن يد
غصبوا الحقوق ومن بذلك يقتدي
تأتي المجوزة القبيح وتعتدي
إلا لربك جل عن فعل ردي
إلا لشخص قاعد متمهد
تغري السفيه على القبيح المبعد
تطفي التدين بالحنيف المرشد
وتيمموا متصوفا لم يهتد كادت لها شم الذرى أن ترتدي
صفحه ۱۷
عشق الحسان فحلها لم ينهد
بيض الطلا حمر الخدود وأمرد
جل الإله عن الأغن الأغيد] (1)
فليأت غصات الكعاب الخرد
وبذكرها فانسك به وتهجد
ومغالط وبواطن لم تشهد
بعثوا ليهدوا من ضلال مجهد
تلك الفضائح ثم لم يتردد
بدلا من الصمد الذي لم يولد
مشفوع بالوتر الشهي والمفرد
فإنك إذا أنشدتها وتدبرتها عرفت الفرق الذين احدثوا البدع المخالفة للشريعة المطهرة التي عليها آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحكموا بأن الحق في أيدي من غصبهم، وتفرقوا شيعا.
فمنهم مجوزة ينزهون نفوسهم وإبليس -لعنهم الله جميعا-(2)، وينسبونها إلى الله عز وجل.
ومنهم مشبهة لايعبدون إلا شخصا يتصورونه قاعدا على سرير.
ومنهم مرجئة يبطلون الشرائع، ويحلون ما حرم الله سبحانه، ويقولون: الإيمان قول بلا عمل.
ونحن لا نعني بالرافضين لآل محمد في (الكامل المتدارك)، وفي رغم أنف الآفك الذي هو هذه القصيدة المشروحة إلا من ذكرناه وعددناه، ونسبة(3) من ذكرنا من الفرق دخل المجوس في الصوفية وفي الإسماعيلية(4).
أما المجبرة، والمشبهة، والمرجئة فهم أهل الكثرة لا يجهلهم أحد.
وأما الذين عنيناهم في (الكامل المتدارك):
فتغافل الأقوام ثمت أحدثوا ... .. ... .. البيت.
وقولنا:
حكموا بأن الحق في أيدي الألى
غصبوا الحقوق....البيت.
صفحه ۱۸
وبقولنا(1):
في رغم أنف الآفك
واقرأ حديث يجلاؤن وأحدثوا ... في المسندات إلى النبي محمد
هم الذين خالفوا أمير المؤمنين وأهل بيته عليهم السلام جميعا، وزينوا، وموهوا، ورووا أحاديث الزور.
صفحه ۱۹
فإذا أردت معرفة ذلك فاقرأ كتب(2) الحديث، فإنه روى القاسم بن إبراهيم(3) عليه السلام في كتاب (الكامل المنير): عن أبي أحمد، قال حدثني من أثق به، عن الحكم بن ظهير، عن أبيه، وعبد الله بن حكم بن جبير، عن أبي الطفيل(1)، عن زيد بن أرقم(2)، في حديث طويل في غدير خم، قال: -يعني- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم: إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون علي الحوض يوم القيامة، ألا فإني مستنقذ رجالا منكم، ويختلج دوني آخرون، فأقول: يارب أصحابي أصحابي(3)، فيقال: إنهم أحدثوا وغيروا بعدك، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، قالوا: وما الثقلان يارسول الله؟ قال: الأكبر منهما كتاب الله سبب ما بين السماء والأرض، طرف بيد الله تعالى، وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، ولا تبدلوا، والأصغر منهما عترتي أهل بيتي، فقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فلاتعلموا أهل بيتي فإنهم أعلم منكم، ولا تسبقوهم فتمرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تولوا غيرهم فتضلوا، يا أيها الناس أطيعوا قولي، واحفظوا وصيتي، وأطيعوا عليا، فإنه أخي ووزيري وخليفتي على أمتي، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني، ألا لعن الله من خالف عليا)) ثم أرسل [بيده] (1) فقال: ((ياعلي، اكتب بما أوصيتهم عليهم كتابا)) فلما كتب، وأشهد الله عليهم رسول الله بإبلاغهم ذلك اليوم أخذ الكتاب فقال لهم بصوت عال: ((أيها الناس هل بلغت ما في هذا الكتاب؟)) قالوا: اللهم نعم.
قال: ((اللهم اشهد، وكفى به شهيدا...)) الخبرإلى آخره.
وفي كتب الأئمة، والشيعة من حديث الاختلاج عن الحوض ك(أنوار اليقين) (2) و(شمس الأخبار) (3) وغيرهما كثير، فليطالعها الناظر موفقا إن شاء الله تعالى.
صفحه ۲۱
وروى البخاري في (صحيحه) عن ابن عباس: ((إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام، وأنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يارب أصحابي(1)، فيقول: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك...)) الخبر.
وفي حديث ابن مسعود: ((أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول: يارب أصحابي، فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك(2)))... الخبر(3).
ومثله في حديث حذيفة(4)، وفي حديث أنس: ((ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني... (5))) الحديث.
صفحه ۲۲