والوحي أصله الكلام الخفي؛ قال الشاعر يذكر ظليما وهقلة:
أوحى لها بأنقاض ونقنقة ... كما تراطن في أفدانها الروم
والوحي الكتاب قال جرير إلى آخره، ولا يناسب ما نحن فيه من المعاني المذكورة إلا كونه بمعنى القرآن أو الكتاب أو الكلام الخفي. وكلام القواعد يدل على أن المراد به هو العلم الذي خص به الأنبياء والرسل عليهم السلام، حيث قال: "والوحي علم الأنبياء والرسل". وسئل النبي عليه السلام فقيل له: كيف يأتيك الوحي؟ إلى آخره. فذكر رحمه الله الحديث عقب تفسير الوحي فدل على أنه بذلك المعنى، وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {إلا وحيا}[الشورى:51] "كلاما خفيا يدرك بسرعة، لأنه تمثيل ليس في ذاته مركبا من حروف مقطعة يتوقف على تموجات متعاقبة، إلى آخره".
وقال في الصحاح: "الوحي الكتاب وجمعه وحى مثل حلي وحلى، إلى أن قال: والوحي أيضا الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك؛ يقال: أوحيت إليه الكلام وأوحيت وهو أن تكلمه بكلام تخفيه إلى آخره"، وهذا المعنى الأخير شديد المناسبة للحديث، والله أعلم.
قوله: «مثل صلصلة الجرس» الصلصلة الصوت المضاعف؛ قال في الصحاح: "وصلصلة اللجام صوته إذا ضوعف، وتصلصل الحلي إذا صوت إلى آخره، والجرس بفتح الراء وبالسين الذي يعلق في عنق البعير، والذي يضرب به أيضا، وفي الحديث "لا تصحب الملائكة وفقة فيها جرس".
قوله: «وهو أشده علي» أي أعظم حالات الوحي عليه وأصعبها.
قوله: «وقد وعيت» هو بفتح العين بمعنى حفظت وجمعت. وانظر هل هاتان الحالتان خاصتان بإتيان الوحي عيانا؟ وإنما خصهما بالذكر لكون ذلك هو الغالب في حقه صلى الله عليه وسلم، أو هما شاملتان لجميع حالاته، فليحرر.
صفحه ۱۲