1 - كتاب البيع
صفحه ۱
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد سيد النبيين وآله، سادات الخلائق أجمعين، ولعنة الله على أعدائهم، إلى يوم الدين.
قوله (ره): (مبادلة مال بمال - الخ -) التعبير بالمبادلة، لا يخلو عن مسامحة، حقه أن يقال: تبديل مال بمال، فإنه فعل الواحد، لا اثنين فافهم.
قوله (ره): (وأما عمل الحر، فإن قلنا إنه قبل المعاوضة - الخ -) لا اشكال أنه من الأموال، بداهة أن حاله حال عمل العبد، في كونه مما يرغب فيه، ويبدل بإزائه المال، وإن كان قبل المعاوضة، لا يكون ملك، بخلاف عمل العبد، لأنه ملك السيدة بتبعه، ولا شبهة في عدم اعتبار الملكية قبلها، لوضوح جعل الكلي، عوضا في البيع، مع عدم كونه ملكا قبله.
وبالجملة، المالية والملكية، من الاعتبارات العقلائية الصحيحة، ولكل منهما منشأ انتزاع، وبينهما بحسب الموارد، عموم من وجه، يفترقان في الكلي المتعقد به، والمباحات قبل الحيازة، وفي مثل حبة من الحنطة، والماء على الشط، والثلج في الشتاء، إلى غير ذلك. فانقدح أنه يجوز جعل عمل الحر عوضا، وإن قيل باعتبار كون العوضين مالا، قبل المعاوضة. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (وأما الحقوق الأخر - الخ -) لا يخفى أنه كلام مختل النظام، فإنه في مقام أنها تجعل عوضا، أم لا،
صفحه ۳
فلا يناسبه التعليل بقوله: لأن البيع تمليك الغير، ولا النقض ببيع الدين أصلا، فإنه إنما يناسب إذا كان بصدد بيان أنها لا يجعل معوضا في البيع.
فالتحقيق أن يقال: إنه لو قيل باعتبار المالية في العوض كالمعوض، كما يظهر من المصباح، فلا اشكال في عدم صحة جعل الحق عوضا، وإن كان قابلا للانتقال. فإن الحقية وإن كانت من الاعتباريات، كالمالية والملكية، إلا أنها غيرهما، ولو قيل بعدم اعتبارها، فلو قيل بعدم اعتبار الانتقال في العوض، وإن أخذه فيه، إنما هو لمجرد إنه ليس بتمليك مجاني، فلا اشكال في جعلها، عوضا مطلقا، وإلا في خصوص القابل منها للانتقال.
قوله (ره): (والسر أن الحق فعليه - الخ -) لا يخفى أن الحق بنفسه ليس سلطنة ، وإنما كانت السلطنة من آثاره، كما أنها من آثار الملك، وإنما هو كما أشرنا إليه، اعتبار خاص، له آثار مخصوصة، منها السلطنة على الفسخ، كما في حق الخيار، أو التملك بالعوض، كما في حق الشفعة، أو بلا عوض، كما في حق التحجير، إلى غير ذلك. وهي لا يقتضي أن يكون هناك من يتسلط عليه، وإلا كانت من آثار الملك أيضا، وإن لم يكن نفسه، فيلزم في بيع الدين، إما محذور تسلط الشخص على نفسه، وإما التفكيك بين الملك وأثره، مع أن ذلك إنما يلزم في بيع الحق، ممن كان عليه، لا من غيره، وقد عرفت أنه أجنبي عما هو بصدده، كما يظهر من صدر كلامه وذيله.
قوله (ره): (إلا أن الفقهاء، قد اختلفوا في تعريفه - الخ -) الظاهر أن اختلافهم، ليس لأجل الاختلاف في حقيقته وماهيته، بل لأجل أن البيع الحقيقي، لما كان له سبب، يتسبب به إليه، ولوازم تترتب عليه أخذ كل منهم، بطرف من أطرافه، لا بتمام جوانبه وأكنافه، حيث إن الغرض، ليس إلا الإشارة إليه من نحوه ومعرفته بوجه، لا معرفته بحده أو برسمه، وبذلك يوفق بين كلمات الأعلام، وينقدح أنه لا وقع، لما وقع من النقض والابرام في المقام، بل لا اختلاف حقيقة فيه بين العرف والشرع، وإنما الاختلاف بينهما، فيما يعتبر في تحققه، وإن شئت أن تعرفه بأطرافه،
صفحه ۴
فاستمع لما يتلى عليك، وهو البيع المأخوذ في، بعت، وسائر المشتقات، من أوضح المفاهيم العرفية، وهو التمليك بالعوض، وإن كان مما لا يكاد يمكن ضبطه، بحيث لا يبقى اشتباه في بعض المصاديق، كما هو الشأن في جميع المفاهيم. ولا يخفى أنه شرعا وعرفا، لا يكاد يصدر مباشرة، بل بالتسبيب، والتوسل إليه بالعقد عليه تارة، وبالمعاطاة أخرى، على القول بها. ولا بد في سببه عقد كان، أو معاطاة، كسائر المعاملات، من ايجاب، وهو انشائه، وقصد حصوله، بلفظه، أو بفعل دال عليه من واحد، ومن انشاء قبول ذلك كذلك من آخر. ومن المعلوم أن لازمه إذا حصل، هو نقل الملك من البايع إلى المشتري، ولازمه الانتقال إليه، كما أن لازمه، التبديل والتبادل بين العوضين، وقد يطلق على نفس السبب، أي المعاملة الخاصة، القائمة بالبيعين، كما ربما يطلق على جزئه، وهو الايجاب القائم بالموجب، كما سيأتي الإشارة إليه في كلامه (ره) إلا أنه ليس على الحقيقة، ضرورة صحة سلبه عنه، فليس هو ببيع، ولا موجبه ببايع، وكذا صحة سلبه عن نفس المعاملة، كما يشهد به جميع مشتقاته، لكن لا يبعد تداوله في السنة الفقهاء، إلا أنه بالقرينة. وعليك بالتأمل في المقام.
قوله (ره): (لأن المقصود معرفة مادة بعت - الخ -) وعليه يتوقف معرفة البيع، على معرفة (بعت) بمادته، ومعرفته كذلك يتوقف على معرفة البيع، وهو دور صريح، كما هو واضح. والظاهر تعين إرادة الشق الثاني، وعدم الاقتصار على النقل أو التمليك، للإشارة إلى عدم كفاية مطلق الصيغة، ولو كانت كناية.
قوله (ره): (فالأولى تعريفه بأنه انشاء تمليك عين بمال - الخ -) كيف هذا، والبيع الذي عرفه بذلك، هو المأخوذ في صيغة (بعت)، وغيره من المشتقات، كما يصرح به عن قريب، وليس المراد في الأخبار بوقوعه قبل أو بعد، بمثل: باع، أو بيع، إلا نفس البيع، لا انشائه، فالصواب تعريفه، بتمليك العين بالعوض، لما عرفت أن انشاء التمليك، ليس ببيع، كما أنه ليس بتمليك. نعم إنهما هو جزء سببه، فيما إذا قصد التوسل
صفحه ۵
إليه. ويرد عليه أيضا، أن انشاء التمليك، لا يعقل انشائه، وما يقبل لهذا الطور من الوجود، وسائر أطواره هو التمليك، فيتصور تارة، وينشأ أخرى، ويوجد في الخارج ثالثة، ويختلف آثار باختلاف أطواره، ويكون لكل طور منه الأثر لا يكاد يترتب على الآخر. فتدبر.
قوله (ره): (منها أنه موقف على صحة الايجاب - الخ -) لا يخفى عدم التوقف، فإنه لو قيل بعدم جوازه، لأجل اعتبار الصراحة في الايجاب، ولزوم كونه بلفظ البيع، وما يرادفه، وعدم كونه مرادفا له، لعدم صحة ما حكاه عن الفخر (ره) من كون (بعت) في لغة العرب، بمعنى ملكت، لوضوح أنه أعم، كان التعريف به بضميمة ما دل على خصوصيته جائزا، كما هو واضح.
قوله (ره): (إذ ليس المقصود الأصلي منه، المعاوضة - الخ -) بل التمليك لا مجانا، بل بنحو الغرامة، ولذا لا يجب تعيين ما عليه عينا، من المثل، أو القيمة، ولا كما إذا علم كونه قيميا، بل يتعين عليه المثل، إن كان مثليا، وقيمته، إن كان قيميا، بمجرد تمليكه بالغرامة.
فافهم.
قوله (ره): (كان بيعا - الخ -) إذا لم يقصد به الصلح، أو الهبة المعوضة، وإلا يصح صلحا، أو هبة، لو قلنا بوقوعها بغير الألفاظ الصريحة، وإلا فلا يصح بيعا، وإلا واحدا منهما. أما البيع، فلعدم كونه بمقصود، والعقود تابعة للقصود. وأما هما، فلعدم الصراحة في عقدهما.
قوله (ره): (أحد التمليك المذكور، لكن بشرط تعقبه - الخ -) أي التمليك الانشائي، كما هو الظاهر، ويشهد به سار كلماته، ولا يخفى أنه لا يلائمه ما استشهد لما ادعاه، من تبادر التمليك المقرون بالقبول بقوله، ولهذا لا يقال: باع فلان - الخ - بل يلائم ما أشرنا إليه، من أنه التمليك، ضرورة أنه لا يقال: باع، إذا عقد، وقد أخل ببعض الشرائط، صحة أن يقال: ما باع فتدبر جيدا.
صفحه ۶
قوله (ره): (ولعله لتبادر التمليك المقرون - الخ -) بل لتبادر التمليك الحقيقي الذي لا يكاد ينفك عن تملك المشتري، وتبادر اقترانه بقبوله، إنما هو لكونه مما لا بد منه في حصوله، لا من نفس اللفظ، بل يتبع معناه، ومنه ظهر حال السلب عن المجرد، وأنه من جهة عدم التمليك مع المجرد، لا لذلك، ولا لما افاده بقوله (أقول - الخ -).
فافهم.
قوله (ره): (تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج - الخ -) لا يخفى أن الذي لا يكاد يكون القبول شرطا له، هو الانتقال الإنشائي التابع لانشاء النقل، وأما الانتقال بنظر الناقل، فيختلف بحسب الأنظار، فربما يكون شرطا له بحسب نظر، ولا يكون كذلك بنظر آخر.
وبالجملة، النقل بحسب كل مرتبة ونظر، لا يكاد يمكن انفكاكه عن الانتقال، بحسب تلك المرتبة، وذاك النظر، إذا الأثر لا ينفك عن التأثير، لاتحادهما ذاتا، واختلافهما اعتبارا، فيكون تأثيرا من جهة انتسابه إلى الفاعل ، وأثرا من جهة الانتساب إلى القابل، وإن كان انفكاكه عنه بحسب مرتبة الأخرى، أو نظر آخر، بمكان من الامكان، وكذلك الحال في الوجوب، والايجاب، لا يكاد يمكن انفكاكهما في مرتبة واحدة، بحسب نظر واحد، وإنما ينفك الايجاب في مرتبة، أو بحسب نظر، عن الوجوب في مرتبة أخرى، ونظر آخر.
ومن هنا ظهر أنه لا فرق بين النقل والانتقال، والوجوب والايجاب في مرتبة، وبحسب نظر، وبين الكسر والانكسار. نعم هما، لما كان من الأمور التي تكون موجودة في الخارج، ليست لهما، إلا مرتبة واحدة، بخلاف مثل الوجوب والايجاب، من الأمور النفس الأمرية الاعتبارية التي لا واقع لها، إلا بحسب الاعتبار المختلف بحسب الأنظار، وصحة الانتزاع عن منشأ بنظر، وعدم صحته بآخر. هذا مع ثبوت الانفكاك، بين الذهني من الكسر والانكسار، والخارجي منهما أيضا، فلا تغفل.
قوله (ره): (وإلى هذا، نظر جميع ما ورد الخ -).
صفحه ۷
لا يخفى امكان إرادة ما ذكره، من معناه في هذه الاطلاقات، لو لم نقل بظهورها فيه، وجعله بهذا المعنى من العقود، بملاحظة أنه لا بد في تحققه من العقد، قبالا للمعاني الايقاعية، كالطلاق، والعتاق، ونحوهما.
قوله (ره): (ثم إن الشهيد ره - الخ -).
اعلم أن الصحة والفساد، لما كان من الأمور المتضايفة، لا يكاد يتصف الشئ بواحد منهما، إلا إذا صح تواردهما عليه، فما لا يتصف بالفساد أصلا، لا يتصف بالصحة أيضا، كان البيع بمعنى التمليك مطلقا، حقيقيا كان أو انشائيا، لا يتصف بواحد منهما، بل يكون مع علته، ولا يكون بدونها، وكذا البيع بمعنى النقل والانتقال، وإنما يتصف بهما البيع، بمعنى الايجاب، والقبول، فيكون صحيحا لو كان واجدا لما اعتبر في تأثيره، وفاسدا فيما إذا كان فاقدا، لكله، أو بعضه، فلا ينافي ذلك، تأثيره شيئا آخر، إذا لم يكن مما يترقب منه، أو لم يكن فعلا مما يتوسل به إليه، وإن كان في نفسه مرغوبا، لو كان مما يتوسل إليه، لكن لا وحده، بل مع أثر آخر، فإن الصحة والفساد، من الأمور الإضافية، فيصح أن يتصف بالصحة ، بملاحظة أثر، وبالفساد، باعتبار آخر.
ثم لا يخفى أن ما نقله عن الشهيد الثاني (ره) هيهنا، ينافي ما نقله عنه سابقا من كون اطلاق البيع على العقد، مجاز، بعلاقة السببية، إلا أن يكون مراده، كون اطلاقه عليه، مجازا في الأصل، وحقيقة بالنقل، فتأمل.
قوله (ره): (فلأن الخطابات لما وردت على طبق العرف - الخ -).
فينكشف باطلاقها، أن الصحيح عندهم، يكون صحيحا عند الشارع، ولا يخفى أنه إنما يجدي، فيما شك في اعتباره شرعا، وقد علم عدم اعتباره عرفا.
قوله (ره): (فيستدل باطلاق الحكم يحله - الخ -).
أي يستدل باطلاقه على كون البيع الإنشائي، بمثل (بعت)، على اطلاقه من دون اعتبار ما شك في اعتباره، يكون مؤثرا نافذا، غاية الأمر، قد علم تقييده بالقبول. ومن هنا ظهر أنه على الوجهين، يكون المراد بالبيع، هو
صفحه ۸
السبب القابل للاتصاف بالصحة، والفساد. والفرق بينهما إنما يكون بالتمامية، والنقصان. فافهم.
قوله (ره): (والمعاطاة 1 على ما فسره جماعة - الخ -).
لا يخفى، أن المعاطاة، ما جعل موضوعا لحكم في آية، أو رواية، ولا في معقد اجماع، وإنما عبر به، عما يتداول بين الناس، من المعاملة بلا صيغة، فالمهم تعيين ما هو المتداول بينهم، والظاهر عدم اختصاصه بما إذا كان هناك تعاطي من الطرفين، كما في السلف، والنسية، ولا بما إذا كان حل واحد من الايجاب، والقبول به، لو كان بل كما يكون به، ويكون بالاعطاء ايجابا، وبالأخذ قبولا، ويكون اعطاء الآخر، وفاء بالمعاملة، لا متمما لها، بل لا يبعد دعوى أن الغالب في المعاملات المتعارفة، بحسب قصد المتعاملين ذلك كما لا يخفى، فلا يضر بالمعاملة، لو ظهر ما أعطاه الثاني، مستحقا للغير، أو من غير ما عين من الجنس في المقاولة، بل يضر بالوفاء بها، بل ربما يقال، بحصولها بالتراضي المنكشف بالقطع، والفصل في المساومة، ويكون التعاطي، أو الاعطاء، والأخذ، خارجا عنها، ووفاء منهما بها، فيكون كل واحد من الثمن، والمثمن كليا، كما كان أحدهما على الوجه السابق. فتأمل.
قوله (ره): (وهو يتصور على وجهين - الخ -).
لا يخفى، أن غرضه، إن كان بيان ما يتصور في باب البيع، فلا يتصور، إلا على ثاني الوجهين، وإن كان بيان ما يمكن أن يتصور فيه، من دون اختصاص بهذا الباب، فلا وجه للتخصيص بهما، فإنه يمكن أن يقع على وجوه عديدة، وقصد به كل ما يقصد باللقط، من ايقاع، أو عقد، بيعا كان، أو غيره، من غير فرق بينهما في ذلك، وإن كان بينهما فرق من حيث إن دلالته لا يكون بمثابة دلالة، وذلك مما لا شبهة فيه، ولا ريب يعتريه.
اللهم إلا أن يكون غرضه، ما يتصور فيه في هذا الباب، بحسب ما يوهم أنه محل الكلام، ومود النقض والابرام بين الأعلام.
صفحه ۹
قوله (ره): (والانصاف إن ما ارتكبه - الخ -).
فإن مثل هذا التأويل، وإن كان مما يصار إليه في الأخبار، توفيقا بينها، لاحتمال التعويل فيها، على قرينة لم تصل إلينا، لتقطيع الأخبار، أو لاخفائها تقية، أو غير ذلك، ولم يأب عنه بعض الكلمات، إلا أنه كيف يصار إليه في كلمات مشهور الأصحاب، الظاهر في إرادة الإباحة، ونفي الملك، بل مع صراحة بعضها بلا موجب، ولا داعي، ومجرد عدم مساعدة القواعد، على ما هو ظاهر هم، بل مساعدتها على خلافه، لا يوجب الحمل على ما يساعدها، سيما مع احتمال مساعدة السيرة التي هي العمدة في هذا الباب على ذلك وأما وجه أبعدية جعل محل النزاع، ما إذا قصد الإباحة، فهو إنه كيف، وقد جعل المعاطاة من فروع اعتبار الصيغة.
لا يقال: على هذا لا يحتمل، فلا وجه لاحتماله. فإنه يقال:
لاحتمال أن يكون ذلك، لدفع توهم انعقاد البيع بالمعاطاة، مع قصد الإباحة ابتداء، من مشاهدة فائدته، ولو بعد التصرف، وأنه لا يكون ذلك أولا، بل أولا وما دعاه إلى هذا التحمل، إلا استبعاد تأثير قصد التمليك للإباحة، لا للتمليك، مع أنه كما ستعرف أنه ليس كذلك، بل يؤثر التمليك غاية الأمر، بشرط التصرف، كالقبض في الصرف، والسلف، أما الإباحة قبله، فليست شرعية، بل مالكية ضمنية، ولو سلم أن مرادهم، هي الإباحة الشرعية ، فإنما يستعبد المصير إليه، لو لم يكن هناك ما يمكن أن يتوهم منه ذلك، والسيرة التي هي العمدة في الباب مورد لذلك، فتدبر جيدا.
قوله (ره): (مع أن الغاء الشارع للأثر المقصود - الخ -).
قد أشرنا إلى أنه، ما ألغاه، بل رتبة عليه بشرط التصرف، كالقبض في الصرف، وترتب الإباحة عليه شرعا، لو سلم، فهو للاستناد إلى السيرة ظاهرا، بتوهم أنها تساعد على ذلك.
قوله (ره): (ويدفع الثاني تصريح بعضهم بأن شرط لزوم البيع - الخ -).
يمكن أن يقال: لزوم البيع، بمعنى عدم جواز فسخه، لا يقتضي لزومه، بمعنى عدم جواز التراد، بهذا المعنى محل الكلام في المقام، وكون
صفحه ۱۰
الايجاب، والقبول، من شرائط انعقاد البيع بالصيغة، لا يقتضي كونهما من شرائط البيع مطلقا، ولو بالمعاطاة، وليكن المراد بالايجاب اللفظين منهما، وإلا لم يكن المعاطاة بخالية عنهما، كما لا يخفى.
قوله (ره): (لكن في عد هذا، من الأقوال تأمل - الخ -).
وجهه، أنه مع شرط اللفظ، يكون البيع بالصيغة، لا بالفعل، لكنه يمكن أن يقال: أنه يكون كذلك، إذا اعتبره لكي يقع المعاملة به، لا إذا كان لأجل الدلالة، على أنها بالتعاطي، فتأمل.
قوله (ره): (ويدل عليه أيضا قوله تعالى " وأحل الله البيع " 1 حيث دل على حلية جميع التصرفات - الخ -).
والظاهر أن سبب التصرف فيها، وصرف الحكم بالحلية إلى التصرفات، عدم كون البيع بنفسه اختياريا، لكونه مترتبا على سببه بلا اختيار، وأنت خبير، بأن مجرد ذلك لا يخرجه عن الاختيار المعتبر في متعلق الأحكام، وعلى ذلك، فلا دلالة لها على المدعى، فإنها مسوقة لبيان تحليل البيع، بمعنى التمليك قبالا لتحريم الربا. نعم لو كان البيع فيها، بمعنى ما يوجبه، لدلت على صحة المعاطاة، ولو كان المراد من الحلية، مجرد التكليف، فإن تحليل الشارع للبيع بما يتوسل به، إلى التمليك، وترخيصه فيه كذلك، كما هو ظاهرها، ملازم عرفا لامضائه وانفاذه، كما أن تحريم معاملة، والنهي عنها كذلك، يدل على الردع عنها كما في تحريم الربا، وفيما علقنا على الخيارات، ما له نفع في المقام.
قوله (ره): (فمرادهم بالبيع، المعاملة اللازمة - الخ -).
بل المعاملة الشرعية، ولذا صرح في الغنية 2، بكون الايجاب والقبول، من شرايط الصحة، لا اللزوم. فافهم.
قوله (ره): (فهو إنما يجدي، فيما إذا أشك في أن هذا النوع من السلطنة، ثابتة
صفحه ۱۱
للمالك - الخ -).
بل لا يجدي في ذلك، إذا شك في تشريع أصل هذا النوع أيضا، حيث إنه مسوق لبيان سلطنة المالك، وتسلطه، قبالا لحجره، لا لبيان تشريع أنحاء السلطنة، كي يجدي فيما إذا شك في تشريع سلطنة، فلا يجوز التمسك به على صحة معاملة خاصة، وجواز تصرف خاص، مع الشك فيهما شرعا.
فافهم، كي ينفعك في غير المقام.
قوله (ره): (وأما ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث - الخ -).
هذا في سيرة المسلمين، وأما سيرة العقلاء، بما هم عقلاء، فلا شبهة فيها، ولا ريب يعتريها، حيث استقرت طريقتهم على ذلك، من غير اختصاص بأهل ملة، ونحلة، ولم يردع عنها، صاحب شريعة، حيث لو ردع، لشاع نقله، وذاع لتواتر الدواعي، في مثل هذه المسألة إليه، فالأولى التمسك بها، كما تمسك بها في غير مقام، فإنها اسم مما تمسك به في المقام.
قوله (ره): (إن القول بالإباحة المجردة مع قصد المتعاطيين - الخ -).
لا يخفى، أنه إنما يتوجه ما افاده من الاستبعادات، على القول بها، إذا لم يقل القائل بها بالأول إلى البيع بعد التصرف، أو التلف، وقال: إن الملك بعد أحدهما إنما يكون به، لا بالمعاطاة بشرطها، بل يكون بالنسبة إليه لغوا، وإن كانت مؤثرة للإباحة، وأما على القول بالأول، فلا يلزم انخرام قاعدة " العقود تابعة للقصود " ولا يكون إرادة التصرف، ولا التصرف من جانب، ولا التلف السماوي من المملكات، فإن التمليك إنما حصل بنفس التعاطي، الذي قصد به التمليك، لا بهذه الأمور، بل بشرطها.
وأما حديث تعلق الأخماس، والزكوات، والاستطاعة - الخ - بغير الأملاك، ففيه أنه لا محذور في ذلك في كثير منها، كالاستطاعة، وأداء الدين، والنفقة، والغنى، كما سيشير إليها، وكذا الوصايا، لو لم نقل بكفاية مثل الوصية، من التصرف في حصول الملك بالتعاطي، ولا فلا اشكال، فإن نفوذها حينئذ يكون في الملك، وكذا المواريث، فإنه لا اشكال بناء على الأول بموت أحد المتعاطيين، كتلف أحد الملكين، كما ليس ببعيد، وأما بناء
صفحه ۱۲
على عدمه، فلا بد في القول بالإرث، وصيرورة الوارث كما لمورث فيما له، وقد تركه ضرورة أنه ليس بلازم أن يكون مما ملكه، وفي الباقي، لم يعلم التزام القائل بالإباحة في بعضها، فلا يصح الزامه، وافهامه، ولو كان بينا فساده، فلم يعلم منه القول، بتعلق الخمس، أو الزكاة قبل الأول، ولم يعلم فساد بعض الآخر، لو لم التزامه به، كما في الشفعة، فلا ضير في القول بها بمجرد التعاطي، لشمول دليلها لبيع أحد الشريكين عرفا، وإن كان تأثيره شرعا يتوقف على أمر، لم يحصل بعد، وكذا الربا، إذ لا شبهة على الأول في تعلقه بالمعاطاة، ولا يكون حاله قبل التصرف ونحوه، إلا كالصرف، قبل القبض في ذلك، كما لا شبهة في تبعيته النماء المتصل، وأما المنفصل، فلم يعلم أن القائل بالإباحة، يلتزم بانتقاله إلى الأخذ، كما أشار إليه، مع أنه يمكن أن يقال: إن قضية قاعدة التبعية، أن يتبعا في الملكية بعد التصرف، كما يتبعها قبله، وبعبارة أخرى، يكون حالها، حال العين المبيوعة، وليس هذا ببعيد، كل البعيد وبالجملة، على الأولى تكون هذه الأمور، بين ما لا يلزم، أو لا يلتزم به القائل بالإباحة، وبين ما لا بعد فيه، لو التزم، أو لا بد من أن يلتزم به.
قوله (ره): (مدفوعة مضافا إلى امكان دعوى كفاية - الخ -).
لا مجال لدعوى الكفاية على مختاره، من عدم حجية الاستصحاب، مع الشك في المقتضي، كما لا شبهة في صحتها على ما هو المختار، من حجية، وملخص ما افاده في دفع الدعوى، بين منع أقسام الملك إلى قسمين، و تنوعه بنوعين، والاختلاف في الأحكام، ليس لأجل الاختلاف في ناحيته، بل للاختلاف في ناحية أسبابه، قلت: لو كان الجواز، واللزوم هيهنا، بمعنى جوازا فسخ المعاملة وعدمه كما في باب الخيار، فلا شبهة في كونهما من أحكام الأسباب وأما لو كان بمعنى تراد العينين، وتملك ما انتقل عنه، وعدمه، بلا توسيط فسخ المعاملة، كما في الهبة، على ما صرح به في الملزمات، فهما من أحكام المسببات لا محالة، واختلافها فيهما، كاشف عن اختلافها في الخصوصيات المختلفة في اقتضاء الجواز، واللزوم، لئلا يلزم الجزاف في أحكام
صفحه ۱۳
الحكيم تعالى شأنه، وأنت كان اختلافها فيها، ناشيا عن اختلاف الأسباب ذاتا، أو عرضا وبالجملة جواز فسخ المعاملة، بحق خيار، أو بمحض حكم، كما في الإقالة، وعدم جوازه، لا ريب في كونهما من أحكام السبب المملك، أما جواز الرد، أو التراد وعدمه، فهما من أحكام الملك، والحكم عليه، تارة بالجواز، وأخرى بعدمه، كاشف في مورد كل واحد منهما عن خصوصية مقتضية له، غير خصوصية في الآخر، والاختلاف بحسب الخصوصية كاف في اختلاف الأحكام، من غير حاجة إلى الاختلاف بالحقيقة، والماهية، وهذا الاختلاف الناشئ عن اختلاف الأسباب ذاتا، أو عرضا، لا يجب أن يوجب تفاوتا في المنشأ أصلا، كما لا يخفى، فانقدح بذلك، فساد ما افاده في بيان كون الجواز ، واللزوم، من أحكام السبب المملك، لا المملك، فتدبر جيدا.
قوله (ره): (فإن مقتضى السلطنة، أن لا يخرج - الخ -).
يمكن أن يقال: كما أشرنا إليه أنه ليس إلا لبيان سلطنة المالك على ماله، وتسلطه عليه، وأنه ليس بمحجور، لا لبيان اثبات أنحاء السلطنة له، ليصير دليلا على لزوم عقد، بمعنى عدم جواز الرد، لمنافات جوازه لا طلاقها. فتأمل.
قوله (ره): (فالقول بالملك اللازم، قول ثالث فتأمل).
لكنه لا بأس بالمصير إليه، بعد عدم الاتفاق عليه نفيه، بل كان عدمه إلى الآن، بمجرد الاتفاق، كما هو الحال، في حدوث القول الثالث في كل مسألة، ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل.
قوله (ره): (بل يمكن دعوى السيرة - الخ -).
دعواها، على نحو كانت كاشفة عن رضاء المعصوم، كما ترى، والانكار على المنع عن الرجوع، لم سلم، لم يعلم أنه من جهة بنائهم على جوازه، ولعله لأجل ما هو المركوز عقلا، ونقلا، من حسن الإقالة، وكون تركها مع الاستقالة، خلاف المروة، ومناف للفتوة، من غير فرق بين ايقاع البيع بالصيغة، أو التعاطي.
صفحه ۱۴
قوله (ره): (أو باعتبار محله وغير محله - الخ -).
أو باعتبار كونه محللا لكل من الثمن، أو الثمن، على من انتقل إليه، ومحرما على من انتقل عنه، ويكون الغرض، دفع توهم كون مجرد المقاولة، من بيع ما ليس عنده المركوز حرمته، وعدم نفوذه، ببيان أنها ليست بمحللة، ومحرمة، والكلام، وهو البيع ما كان كذلك، فليست ببيع، حتى كانت من بيع ما ليس عنده، وعليه يكون التعبير عنه بالكلام، لا لأنه لفظ بمعناه، بل بما هو نفس المعنى بوجه، كما لا يخفى، ويكون الحصر ليس بحقيقي، بل بالإضافة إلى المقاولة، فلا دلالة فيه على انحصار التحليل، والتحريم، بالبيع بالصيغة، ولا به مطلقا. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (بأن يقال: 1 حصر المحلل والمحرم في الكلام، لا يأتي إلا - الخ -).
هذا إذا كان المراد بالكلام، هو اللفظ بمعناه، وأما إذا كان المراد به نفس المعنى، كما أشرنا إليه آنفا، أو كان حصر المحلل في المقاولة، والمواعدة، وحصر المحرم في ايجاب البيع وايقاعه، بالإضافة إلى الآخر، فلا يكاد يمكن استظهار اعتبار الكلام في ايجاب البيع أصلا، كما لا يخفى.
قوله (ره): (فالظاهر أنه بيع عرفي لم يؤثر شرعا - الخ -).
لكنه قبل وجود أحد الملزمات، وإلا يصير بيعا شرعيا، يؤثر التمليك، ونفي البيع عنها في كلام المشهور، القائلين بالإباحة، هو البيع الشرعي بمجرده، لا بعد وجود أحدها، على ما عرفت من الأول إلى البيع. ومن هنا ظهر أن قوله (فنفي البيع - الخ -) لا يصح أن يكون تفريعا على القول بالإباحة، وإنما هو تفريع على القول بالملك، وإن كان خلاف سوق الكلام.
قوله (ره): (وحيث المناسب لهذا القول التمسك - الخ -).
قد عرفت أنه لا دلالة على مشروعية معاملة أصلا، وأنه لا دلالة إلا على اثبات السلطنة للمالك، قبالا لحجره، كما في بعض أفراده، بأحد
صفحه ۱۵
أسبابه، وفي غيره، إلا بسبب ولاية، أو وكالة، لا اثبات أنحاء السلطنة، كي يجدي فيما إذا شك في شرعية أصل معاملة، وفيما اعتبر في صحتها، ولو علم شرعيتها وعليه فلو شك في أصل مشروعية الإباحة العوضية، لا وجه للتمسك به، على مشروعيتها، فضلا عما إذا شك في اعتبار شئ في سببها. نعم يحل التصرف بما لا يتوقف على الملك، لقوله عليه السلام " لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه 1 " وقوله " لا يجوز لأحد التصرف في ملك غيره، إلا بإذن مالكه، إذا كان بطيب من مالكه وبإذنه 2 " ولو لم يكن هناك معاطاة. فلا تغفل.
قوله (ره): (وأما على المختار، من أن الكلام فيما إذا قصد - الخ -).
ونخبة الكلام في المقام، أنه لا شبهة في اعتبار ما اعتبر في البيع، باطلاق، أو عموم على القول بإفادتها للملك، فإنها بيع بلا اشكال، إلا أن يقال: إن السيرة في الغت بعض ما يعتبر بالاطلاق أو العموم، وأنى لها بذلك.
نعم لو كان الاشتراط، بدليل يختص بما إذا كان بالصيغة، لا يعتبر فيها، إذا كان الدليل على الصحة، عموم، أو اطلاق، لا مثل السيرة، وكذلك على القول بالإباحة، بناء على الأول إليه، وإفادتها التمليك بعد التصرف، أو التلف، فإنها بيع أيضا، وتوقف تأثيره على مثله غير ضائر، كما في الصرف، والسلف، وأما بناء على عدم الأول، وكون التمليك بعد التصرف به، لا بها، فاطلاق أدلة شروط البيع، وإن كان لا يساعد على اعتبارها فيها، لعدم كونها بيعا شرعا، ولا يجدي كونها بيعا عرفا، بعد كشف الشارع من حالها، وأنها ليست ببيع واقعا، إلا أن إفادتها لإباحة جميع التصرفات شرعا قبل التصرف، وحصول التمليك به بعده، لما كان على خلاف الأصل، وجب الاقتصار في خلافه، على القدر المتيقن، وهو ما إذا كانت واجدة لجميع ما يعتبر في صحة البيع. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (وأما حكم جريان الخيار فيها، فيمكن نفيه - الخ -).
صفحه ۱۶
إذا لم نقل بالأول إلى البيع بعد التلف، لعدم كونها بيعا، لا لجوازها، وأما بناء عليه، فحالها حال بيع الصرف والسلم قبل القبض، ومجرد الجواز، بمعنى التراد، أو الرد قبل التصرف، والتلف، لا يمنع عن تعلق حق الخيار، مع أن الجواز الفسخ بخيار، لا يمنع عن تعلق خيار آخر.
ومن هنا ظهر أن ثبوت الخيار فيها مطلقا، بناء على إفادتها الملك، أظهر، لا لصيرورتها بيعا بعد اللزوم، كما علل به، بل لكونها فعلا بيعا عرفا، وشرعا، والخيار موجود من زمن المعاطاة، وأثره يظهر من حين ثبوته، لصحة اسقاطه، والمصالحة عليه قبل اللزوم، فلا وجه لما افاده من ظهور أثره بعده، كما لا وجه، لما ذكره من احتمال التفصيل، إذ دعوى اختصاص أدلة الخيار في البيع، بما وضع على اللزوم، مجازفة، كما لا يخفى على من لاحظها.
قوله (ره): (الأمر الثاني: إن المتيقن من مورد المعاطاة - الخ -).
قد عرفت في بعض الحواشى السابقة، أن لفظ المعاطاة ليس مما ورد في آية، والرواية، ولا في معقد الاجماع، بل من المعلوم أنه عبر بها، عن المعاملة، المتعارفة، المتداولة، فالمدار في ترتيب الأحكام والآثار، على ما هو المتعارف، وإن لم يصدق عليه معنى المعاطاة، بل معنى الاعطاء، بل ولو لم يصدق عليه بناء على حصول التمليك، وتحقق المعاملة بالمقاولة، ويكون الاعطاء من طرف أو طرفين، من باب الوفاء بها، لا احداثا، أو تتميما لها، على ما احتملناه، فالعمدة تحقيق ذلك، وعليك بالتحقيق.
قوله (ره): (الثالث: تميز البايع من المشتري - الخ -).
لا يخفى، أنه ليس هذا من تنبيهات المعاطاة، لعدم اختصاصه بها، وأن المنشئ للتمليك بالعوض، بايع، ومنشئ التملك به، مشتري، من غير فرق فيما قصدا به، بين اللقط، والفعل، فلو لم يقصد كل واحد منهما، إلا ما قصد الآخر، فهما بايعان، أو مشتريان كذلك، أي من غير فرق بينهما، فلا فرق فيما هو المميز لكل منهما عن الآخر، مفهوما بينهما.
نعم بينهما فرق في التميز خارجا، وهو أنه غالبا يكون في البيع بالصيغة، ما يدل بظاهره على أن أيهما بايع، وأيهما مشتري، بخلاف الفعل،
صفحه ۱۷
لعدم دلالته بنفسه، ويكون الدلالة بالقرينة، وربما لا يكون، أو لا يكون محفوظة، وربما يعكس الأمر، لو قلنا بكفاية المجاز، والكفاية في الصيغة، فافهم. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (فيكون الآخر في أخذه، قابلا ومملكا - الخ -).
لا يخفى، أنه لا يتعين هذا، على هذا الوجه، لامكان أن لا يقصد بأخذه التمليك، بل بدفعه، وإنما أخذ مقدمة لقبوله بدفع العوض، فلو مات قبل الدفع، مات قبل تمام المعاطاة، فلا تغفل.
قوله (ره): (فيكون تمليك بإزاء تمليك، بالمقابلة - الخ -).
بل يكون المقابلة، بين مال المعطي، وتمليك الآخر، ويكون تمليكه ثمنا كفعل آخر جعل ثمنا، فإذا قصد بأخذه القبول، فالمعاملة يتم، من دون توقف على تمليكه، وإن وجب عليه الوفاء، ويستحقه عليه المعطي، فلو مات، لم يفت منه، إلا الوفاء، بالمعاملة، الحاصلة بالمعاطاة، ولو كان الغرض من المعاملة، المقابلة بين التمليكين، بأن يكون عمل كل منهما وتمليكه، جعل بإزاء عمل الآخر، وتمليكه، لم يقع بهذه المعاملة، تمليك من أحدهما، بل يستحق كل على الآخر، بعد وقوعها تمليك الآخر وفاء بها، كسائر الأعمال، إذا وقعت المعاوضة بينهما، كما لا يخفى.
وبالجملة، ذا قصد بنفس المعاملة، تمليك مال، بعوض التمليك الآخر شيئا، كان التمليك عوض المال، كما يظهر من مقايسته على بيع الأموال بالأعمال، فظهر أنه بيع، لا أنه بعيد عنه، وقريب من الهبة، كما افاده (ره). فانقدح بذلك مواضع الخلل في كلامه، زيد في علو مقامه، في هذا الوجه، والوجه الرابع، فلا تغفل.
قوله (ره): (فإذا كان بيع الإنسان مال غيره - الخ -).
تحقيقه أن يقال: لا شبهة ولا اشكال في أنه يعقل تمليك الإنسان، مال غيره، بعوض يملكه بإذنه، كما يعقل تمليك ماله، بعوض يملكه غيره، وإن لم يصدق عليه عنوان البيع، لاعتبار خصوصية تملك المالك للعوض في صدقه، ولم يصح الاستدلال على صحته، بما دل على صحته،
صفحه ۱۸
وامضائه، مع أن مجال المنع عنه واسع، وتعريفه بمبادلة مال بمال، إنما يكون في قبال التمليك مجانا، كيف، وفي بيع مال المضاربة بالمرابحة للعامل من الثمن ما جعل له من المقدار، مع أن مال المضاربة للمالك، ولو سلم، فيمكن أن يستدل عليه بمثل " أوفوا بالعقود " 1 و " المؤمنون عند شروطهم " 2، لا يقال:
لا يكاد يصح الاستدلال على صحته بأدلة البيع، ولو سلم صدقه عليه، لمكان ما دل على النهي عن بيع ما ليس عنده، فإنه مع الإذن في بيعه، كذلك يمنع عن كونه من بيع ما ليس عنده، وأما العتق عن غير المالك، فلا مانع عنه عقلا، وإنما منع شرعا عن عتق غير المالك، لأن عتقه عن غيره، فإذا صح عتقه عن غيره، صح له أن يأذنه في ذلك، وأما الوطي، فلا بأس بالقول بجوازه للمباح له، بدعوى أنه تحليل، وأن اعتبار لفظ خاص فيه، دعوى بلا دليل.
فتلخص مما ذكرناه، أنه لا بأس بأن يقال بصحة إباحة جميع التصرفات التي منها البيع، والعتق، والوطي، فتأمل.
قوله (ره): (فيشكل الأمر فيه، من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة - الخ -).
إنما يشكل من هذه الجهة، إذا أريد الاستدلال عليه، بما دل على صحتها بعناوينها، وإلا فلا اشكال في صحة الاستدلال عليها، بالمؤمنون عند شروطهم، وبأوفوا بالعقود 3، إلا أن يدعى أن المراد بالعقود، هي المعهودة المتعارفة مها، لا مطلقا، وهو كما ترى، وقد عرفت الاشكال في الاستدلال ب " الناس مسلطون " 4 في تشريع المعاملات، وأنحاء التسلطات. فتدبر جيدا.
صفحه ۱۹
قوله (ره): (ففي لزومها مطلقا لعموم " المؤمنون عند شروطهم " 1 - الخ -).
قد بينا فيما علقناه على مبحث الخيارات من الكتاب، الاشكال في الاستدلال بمثل عمومه على اللزوم، فليراجع ثمة، وفي الاستصحاب كفاية، لكن قد يشكل بأن اللزوم في مثله من العقود الإذنية، لا يكاد يعقل، لتقومه بالإباحة والإذن، ومع الفسخ أو المنع، لا إباحة ولا إذن، وحله إن جواز التصرف في العقود الإذنية، إن كان مستندا إلى الإذن الفعلي، فلا اشكال في زواله بزواله، ولكنه ليس كذلك، بل بالعقد على إباحته له، والإذن في تصرفه مطلقا، وتعقل لزوم العقد على ذلك، مما لا ريب فيه ولا شبهة يعتريه.
نعم لزومه لا يمنع عن جواز تصرف المالك فيه، بما يذهب موضوعه، لعموم " الناس مسلطون - الخ -). فافهم وتأمل، كي لا يشتبه عليك الأمر.
قوله (ره): (لكن الأظهر بناء على جريان المعاطاة - الخ -).
بل الظاهر جريانها فيها ، لاطلاق أدلتها، والسيرة بالنهج الذي قررناها في البيع، وعدم القول بالفصل بينه وبينها، ظاهرا، والاشكال في مثل الرهن لأجل منافاة ما هو قضيته، وما هو لازم المعاطاة من الجواز، لا يوجب هنا في جريانها في غيره مما لا يكون هناك منافاة، مع أن المنع عن كون الجواز لازم المعاطاة، بمكان عن الامكان، وقضية الاطباق، على توقف العقود اللازمة على اللفظ، لو سلم، فهو إنما إذا كان اللزوم من عوارض العقد، وجاز تبادله مع الجواز، لا ما إذا كان اللزوم، من مقتضيات ذاته، وحقيقته، كما في الرهن.
ومن هنا ظهر، أنه من كان يبالي بمخالفة المشهور، فضلا عن المتفق عليه في فسخه عن هذا الاشكال، مع أن ما أطبقوا عليه، ليس إلا بنحو القاعدة، مخالفته بلا دليل على خلافه، لا يجوز، إلا بالدليل، والسيرة في خصوص الرهن، دليل، فظهر أن مخالفة ما أطبقوا عليه هيهنا، ليس لأجل
صفحه ۲۰
عدم المبادلات بالمخالفة. فافهم واغتنم.
قوله (ره): (اعلم أن الأصل على القول بالملك - الخ -).
قد ظهر مما علقناه على مبحث الخيارات، أن اللزوم المناسب للمقام، وهو بالمعنى المقابل لجواز التراد، أو لجواز الفسخ، بمجرد الحكم به، لا بحق الخيار، مما يدل عليه بعض الوجوه المتقدمة، فمن أراد الاطلاع، فعليه المراجعة ثمة، ثمن أن المهم في المقام، إذا شك في اللزوم والجواز، بعد التلف مثلا، وقد قطع بالجواز قبله، بيان إنه من موارد الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص عند الشك، أو الرجوع إلى العام، فاعلم أنه، وإن كان مثل " أوفوا " و " المؤمنون " مما دل على عدم جواز فسخ العقد، إذا خصص من موارد الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص، لا الرجوع إلى الحكم العام، فإن حكم وجوب الوفاء، أو لزوم الالتزام بالشرط، إنما لوحظ بنحو استمرار أمر وحداني في الأزمنة، لا متعددا بحسبها، فإذا قطع فلا يرجع إليه إذا شك، بل إلى استصحاب حكم الخاص، إلا أنه في المقام حيث ما انقطع حكمه من البين، بل منع عنه من الأول في الجلمة قبل انقضاء المجلس، وحصول التلف مثلا، فإذا شك في أنه صار محكوما أولا، فالمرجع هو الحكم العام، لاطلاق العقود، أو الشروط، لو كان لهما اطلاق، فإن قضيته أن يكون محكوما به مطلقا، ودليل الخيار، والجواز في المعاطاة، قيده وجعل المحكوم به، هو العقد به انقضاء المجلس، أو حصول التلف، فإذا شك في زيادة التقييد، فالمرجع هو الاطلاق، إلا أن يمنع عنه، بتقريب أنه غير مسوق بلحاظ الطواري بل بلحاظ نفس العقد، والشرط، فليرجع إلى استصحاب حكم المخصص، هذا بالنسبة إلى جواز الفسخ، وأما بالنسبة إلى جواز التراد، فكذلك، أي المتبع هو اطلاق مثل " لا يحل ما امرء - الخ - " 1 لو كان، وإلا فاستصحاب جوازه، ولا يمنع عنه مثل تلف إحدى العينين، لامتناع التراد، كما أفاد، لأنه ليس متعلقة نفسهما، كي يمتنع ترادهما في الخارج، بل
صفحه ۲۱