وقيل: اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع.
وقيل: عني به الناس ههنا فإن كل واحد منهم عالم من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في العالم والكتاب والإمام بل لا بد معه من كون اللفظ مختصا بالعقلاء والعالم ليس كذلك وهو ظاهر لأن بعض ما تحته من الأجناس عقلاء كالملك والإنس والجن وبعضهم ليس بعقلاء فلدفع هذا قال المصنف: «وغلب العقلاء» لشرفهم وفضلهم على غير العقلاء من أجناس العالم فجمع كما تجمع أوصاف العقلاء المختصة بهم. قوله: (وقيل: اسم وضع لذوي العلم) أي للقدر المشترك بين أجناس ذوي العلم وهو الملائكة والإنس والجن فيطلق على كل جنس من تلك الأجناس وعلى مجموعها، فلما اختص بالعقلاء جمع بالواو والنون إلا أن إضافة الرب إلى العالمين توهم أن تكون ربوبيته تعالى بالنسبة إلى أجناس ذوي العلم فقط مع أنه رب آحاد الخلائق كلها، فالمصنف أشار إلى رفعه بقولهم وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع أي تناول الربوبية لغير ذوي العلم وانفهامه من قوله: رب العالمين ليس بطريق استعمال لفظ العالمين فيما يعم العقلاء وغيرهم حقيقة أو مجازا بل بطريق انفهام المدلول الالتزامي من اللفظ المستعمل فيما وضع له فإن كونه تعالى ربا ومالكا لأشرف المخلوقات وهم العقلاء يستتبع أن تستلزم ربوبيته لغيرهم. والمصنف لم يرض بهذا الوجه حيث نقله بقوله: «وقيل» لأنه هذه لم تستعمل إلا فيما يكون آلة بين الفاعل والمنفعل كالقالب والطابع ولم يوجد استعمالها في نفس الفاعل حيث لم يسمع تاجر وضارب ومع هذا يكون التناول حينئذ بطريق الاستتباع وعلى الأول يكون استعمال اللفظ فيما وضع له. قوله: (وقيل: عني به الناس ههنا) أي قيل إن العالم في الأصل اسم لما يعلم به إلا أن المراد ههنا هو الناس وحده.
ولعل وجه تخصيص العالمين بهم أن المقصود بالذات من التكليف بالأحكام وبيان الحلال والحرام بإرسال الرسول وإنزال الكتاب هو الإنسان قال الله تعالى: ليكون للعالمين نذيرا [الفرقان: 1] فإنه لا يخفى أن ليس المراد بالعالمين فيه جميع المخلوقات من أولي العلم وغيرهم فالمناسب أن يراد بهم كافة الناس لكونهم الأصل في تبليغ الأحكام ويؤيده قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام أتأتون الذكران من العالمين [الشعراء: 165] فإن المراد بالعالمين فيه هو الناس فقط وهو ظاهر. فلفظ العالم اسم للقدر المشترك بين أفراد نوع البشر لا لمجموع الأفراد وإلا لامتنع جمعه فحينئذ يجعل كل فرد من تلك الأفراد بمنزلة جنس واحد من أجناس المخلوقات إذ ما من موجود من المخلوقات إلا وله مثل في كل فرد منها فيكون جمعه باعتبار أفراد نوع واحد وهو الإنسان لا باعتبار الأجناس. ولم يرض المصنف به أيضا لأن التخصيص بلا دليل يعتد به خلاف الظاهر. قوله: (على نظائر ما في العالم) من قبيل مقابلة الجمع بالجمع لأن كلمة ما في معنى الجمع.
صفحه ۶۹