لانعطافها على ما فيها. وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادي التي تكون انفعالات. والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة عنه تعالى فيراد بالرحمن الرحيم المحسن المتفضل بالإرادة والاختيار قضاء لحاجة المحتاجين عناية بهم لا باعتبار مبادىء تلك الأفعال التي هي انفعالات نفسانية لا يمكن اتصافه تعالى بها. ولفظ المبادى والغايات إشارة إلى أن محصول الجواب أن إطلاق مثل هذه الأسماء عليه تعالى مجاز مرسل من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب فإن تلك الكيفيات الانفعالية أسباب ومباد لتلك الأفعال التي هي غايات لها كالرحمة والرقة اللتين هما من أسباب الإحسان والتفضل.
قوله: (والرحمن أبلغ من الرحيم) لما بين أنهما اسمان بنيا للمبالغة بين أن الرحمن أبلغهما. نقل عن الزجاج أنه قال: الرحمن اسم الله تعالى خاصة فلا يقال لغيره رحمن ومعناه المبالغ في الرحمة، وفعلان من بناء المبالغة تقول لشديد الامتلاء ملآن ولشديد الشبع شبعان، والرحيم اسم فاعل من رحم يقال رحم فهو رحيم وهو أيضا للمبالغة إلا أن الرحمن أبلغ منه وأما اشتراكهما في أصل المبالغة كلا فلما نقل عن الزمخشري أنه قال: كل ما هو معدول عن أصل فهو أبلغ من أصله. فعلى هذا يكون رحيم ورحوم ورحمن للمبالغة لكون كل واحد معدولا عن راحم، وأما كون رحمن أبلغ منه فقد استدل عليه بما اشتهر من أن زيادة البناء تكون لزيادة المعنى كما في قطع وقطع، فإن التشديد في الثاني للتكثير وهذه القاعدة نقضت بالصفة المشبهة التي قلت حروفها عن حروف اسم الفاعل نحو حذر وحاذر فإن الأول لدلالته على الدوام والثبوت أزيد معنى من الثاني مع أن الثاني أزيد حروفا بالنسبة إلى الأول. وأجيب عنه بأن ذلك أي كون الزيادة في البناء لزيادة المعنى مشروط بعد كون البنائين مشتقين من أصل واحد باتحادهما في النوع كصد وصديان وغرث وغرثان وفرح وفرحان، فإن الكل من نوع واحد لأنها صفة مشبهة فلا يرد النقض بنحو وحذر وحاذر لأنهما وإن كانا مشتقين من أصل واحد إلا أنهما نوعان، فإن حاذر اسم فاعل وحذر صفة مشبهة والغرث الجوع يقال: غرث يغرث من باب علم فهو غرثان، والصدى العطش يقال:
صدى يصدي من باب علم أيضا فهو صديان وصد، وقد يجاب بأن القاعدة أكثرية لا كلية.
ثم إنه لما ذكر أن الرحمن أبلغ من الرحيم لما اشتهر من أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى بين وجه زيادة المعنى في رحمن فقال: «وذلك» أي زيادة المعنى في رحمن إنما تؤخذ تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية كما ذكر في المطلع من أن الرحمن الذي كثرت آثار رحمته والرحيم الذي قويت آثار رحمته، ففي الدنيا يصل رزقه إلى كل مؤمن وكافر وحيوان ونبات وفي الآخرة لا يصل إلا إلى المؤمن من غير أن الواصل في الدنيا مع
صفحه ۵۶