فتحدى بأقصر سورة من سوره مصاقع الخطباء، من العرب العرباء، فلم يجد به قديرا، ينتفعون به وإن اختلف الحال بحسب اختلاف المحال فإن البعض منهم ينطر بنار الجحيم والبعض الآخر بانحطاط الدرجات في دار النعيم والبعض الثالث بنار الحجاب عن مطالعة جمال رب رحيم.
قوله: (بأقصر سورة من سوره) الظاهر أنه معطوف على قوله «نزل» وأن المتحدي هو الله تعالى حيث قال : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله [البقرة: 23] «وإن» الأقصرية مستفادة من تنكير سورة في قوله: فأتوا بسورة من مثله ويجوز أن يكون المتحدي هو العبد بأن يرجع ضمير فتحدى إليه ويستفاد الأقصرية من التنكير الواقع في قوله تعالى: أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله [يونس: 38] والتحدي طلب المعارضة من صاحبك بإتيانه مثل ما فعلت أنت يقال: تحديت فلانا إذا بارزته في فعل ونازعته الغلبة وهو مشتق من الحد فإن الحديين متعارضان فيه ويعني كل واحد منهما مثل ما أتى به صاحبه. والحداء والحد وسوق الإبل والغناء لها يقال: حدوت الإبل حدوا وحداء إذا استقتها مع الغناء لها. والمعنى أنه تعالى طلب ممن ارتاب من أن القرآن منزل من عند الله تعالى أن يعارضوه ويأتوا بمثل أقصر سورة في الاشتمال على كمال الفصاحة والبلاغة. والمصاقع جمع مصقع وهو البليغ المتقدم على أقرانه في المحافل بقوة فصاحته وكمال بلاغته من صقع الديك إذا صاح. والعرب العرباء أي الخلص منهم من قبيل قولهم: ليل أليل وظل ظليل فإنهم إذا أرادوا المبالغة في شيء يأخذون من لفظه صفة ويؤكدونه بها. والظاهر أن الباء في قوله: «فلم يجد به قديرا» بمعنى على وأنها متعلقه بقوله: «قديرا» فإن الباء قد تكون بمعنى على كما في قوله تعالى ومنهم: من إن تأمنه بقنطار [آل عمران: 75] أي على قنطار أي. فلم يجد من يقدر على ذلك أي على إتيان مثله فضلا عن وجود من يعارضه بالفعل فإن عدم الوجدان كناية عن عدم الوجود لأن عدم وجدانه من عالم الغيب والشهادة سبب لازم لعدم وجوده في حد نفسه فيصح أن يكنى به عنه. فإن قلت: القدير من صيغ المبالغة مثل شريف وكريم فيكون عدم وجدان القدير نفيا لوجدان ما هو كامل القدرة ونفيه لا ينافي ثبوت من يقدر عليه في الجملة. أجيب عنه: بأن المبالغة ليست بلازمة لصيغة فعيل مطلقا بل إنما تفيدها إذا كانت مشتقة من باب فعل بضم العين كما في المثالين المذكورين به. ولفظ قديرا ليس مأخوذا من ذلك الباب فلا دلالة فيه على المبالغة حتى يلزم ما ذكرتم، والفرق بين ما بابه فعل وغيره أن باب فعل لا يستعمل إلا في أفعال لازمة لفاعلها فيكون معنى الصفة المشبهة المشتقة من ذلك الباب وإن ثبت لها في أفعال لازمة لفاعلها فيكون معنى الصفة المشبهة المشتقة من ذلك الباب وإن ثبت لها الفعل لازما غير منفك عنها وما لم تكن مشتقة منه لا تدل على المعنى وإنما تدل على مجرد
صفحه ۱۱