ثروة وذو ثراء يراد به أنه لذو عدد وكثرة مال والصعق صفة مشبهة لمن أصابته الصاعقة وهي نار تسقط من السماء في رعد شديد إلا أن لفظ الجلالة وبين لفظ الصعق فرقا من حيث إن الغلبة في لفظ الجلالة تقديرية وكذا في لفظ الثريا بخلاف لفظ الصعف فإن الغلبة فيه تحقيقية وذلك لأن الغلبة التحقيقية عبارة عن أن يستعمل اللفظ أولا في معنى ثم يغلب على آخر كالصعق، والتقديرية عبارة عن أن لا يستعمل من ابتداء وضعه في غير ذلك المعنى لكن يكون مقتضى القياس أن يستعمل في غيره، ولفظ الجلالة والثريا من هذا القبيل إذا لم يستعملا من ابتداء وضعهما في غير المعبود بالحق والكوكب المخصوص أصلا لكن مقتضى القياس أن يستعملا في غير ذلك أيضا مما وجد فيه المعنى الوضعي الذي هو مدلولهما الأصلي. والدبران والعيوق من هذا القبيل فإن الدبران فعلان بمعنى الفاعل من الدبور وهم يقولون: إن الكوكب المسمى به بدبر الثريا خاطبا لها والعيوق فيعول بمعنى الفاعل من العوق وهو المنع سمي بذلك لأن من تخيلاتهم أن الدبران خطب الثريا وساق إليها كواكب صغارا معه والعيوق بينهما يعوقها عنه، والقياس يقتضي أن يطلق كل واحد من الدبران والعيوق على كل ما فيه معنى الدبور والعوق لأن العلم الغالب ما كان في الأصل موضوعا لمعنى جنسي كلي ثم صار علما لفرد من أفراد ذلك الجنس بغلبته عليه، وقيلاس الجنس أن يطلق على كل واحد من أفراده لكن لم يرد إطلاق شيء من لفظي الدبران والعيوق على غير الكوكبين المخصوصين. والعيوق نجم أحمر مضيء على طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا تتقدمه وأصله عيووق على فيعول، والدبران خمسة كواكب من الثور يقال إنه سنامه وهو من منازل القمر. لقد وقع العدول عن بيان مراد المصنف بقوله: «لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره» إلى آخره بسبب تطويل الكلام في مبادىء المقصود فلنرجع إلى بيان المراد وهو دفع الوجوه المذكورة في إثبات كونه علما لذاته المخصوصة الوجه الأول أن لفظ الجلالة لو كان صفة لجاز أن يوصف به والحال أنه يمتنع أن يوصف به فثبت به أنه علم فدفعه المصنف بأنه لما غلب على المعبود بالحق وصار كالعلم القصدي أجري مجراه في امتناع أن يوصف به، والوجه الثاني أن لفظ الجلالة لو كان صفة لما بقي لذات الواجب اسم يجري عليه صفاته لأن ما عداه مما يطلق عليه لا يصلح أن يكون اسما له فدفعه بأن إجراء الأوصاف عليه تعالى لا يتوقف على أن يكون له علم قصدي بل يصح ذلك بأن يكون له ما يجري مجرى العلم القصدي مما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره بعد الغلبة فإنه يكفي في إجراء صفاته تعالى عليه، والوجه الثالث أنه لو كان صفة لكان مفهومه كليا مشتركا بين كثيرين فلا يكون قولنا لا إله إلا الله توحيدا للمعبود بالحق لأن إثبات ما يصح اشتراكه لا
صفحه ۵۳