369

حاشیه بر تفسیر بیضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

ژانرها

واستحقاقه للعبادة النظر في صنعه والاستدلال بأفعاله، وأن العبد لا يستحق بعبادته عليه ثوابا فإنها لما وجبت عليه شكرا لما عدده عليه من النعم السابقة فهو كأجير أخذ الأجر قبل العمل.

الذي جعل لكم الأرض فراشا صفة ثانية أو مدح منصوب أو مرفوع أو مبتدأ خبره فلا تجعلوا. وجعل من الأفعال العامة يجيء على ثلاثة أوجه بمعنى صار وطفق فلا النظر والاستدلال أردف الله تعالى الأمر بالعبادة بما يدل على وجود الصانع ووحدته واستحقاقه فذكر ههنا خمسة أنواع من الدلائل: اثنان من الأنفس، وثلاثة من الآفاق. فقال أولا: خلقكم وقال ثانيا: والذين من قبلكم وثالثا: جعل لكم الأرض فراشا ورابعا: والسماء بناء وخامسا: وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وهو استدلال بالأمور الحاصلة من مجموع السماء والأرض وهذه الدلائل كما تدل على وجود الصانع تدل أيضا على وحدانيته لأن شيئا من ذلك لا يقدر عليه أحد سوى الله تعالى وعلى استحقاقه العبادة أيضا. لأن من أخرج الإنسان من ظلمة العدم إلى صحراء الوجود وأسكنه في هذا العالم الذي هو كالبيت المهيأ فيه جميع ما يحتاج هو إليه، فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالفراش والكواكب مضيئة كالمصابيح، والارتباط الحاصل بين السماء والأرض الشبيه بارتباط الزوج بزوجته بعقد النكاح من حيث إنه ينزل الماء من السماء إلى الأرض فيخرج به من بطنها ما يشبه النسل الحاصل من الحيوان بسبب ازدواج الذكور بالإناث من ألوان الثمار رزقا لبني آدم. فالله سبحانه وتعالى رباهم بمثل هذه التربية العجيبة وكرمهم بمثل هذه التكرمة البالغة وجعل الأرض لهم أشفق من الأم لولدها لأن الأم تسقي أولادها نوعا واحدا من الغداء وهو اللبن، والأرض تطعمهم ألوانا، من الأطعمة كيف لا يستحق نهاية التعظيم والإجلال وغاية الخضوع والاستذلال.

قوله: (صفة ثانية) أي لقوله تعالى: ربكم جيء بها للمدح والتعظيم أو للتقييد والتوضيح أو مدح منصوب على أنه مفعول محذوف. كأنه قيل: أعني الذي أو أمدح الذي جعل لكم الأرض فراشا مستقرا تستقرون عليها استقراركم على البساط المفروش، أو مدح مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي، أو مبتدأ خبره فلا تجعلوا فحينئذ يكون من قوله: «من وضع المظهر» موضع المضمر تعليلا للنهي وتقبيحا لحال من أشرك بمن ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله من يحتاج إليه في جميع ذلك. فإن مقتضى الظاهر حينئذ أن يقال: فلا تجعلوا له أندادا فلذلك استغنى في الخبر الجملة عما يعود منه إلى المبتدأ كما ذكره الأخفش من أن الربط قد يكون بالاسم الظاهر إذا كان عبارة عن المبتدأ كما يقال: زيد قام أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله عبارة عن زيد كنية له. قوله: (وجعل من الأفعال العامة)

صفحه ۳۷۵