وإنما كسرت ومن حق الحروف المفردة أن تفتح لاختصاصها بلزوم الحرفية والجر كما كسرت لام الأمر ولام إضافة داخلة على المظهر تفصلة بينهما وبين لام الابتداء. والاسم قوله: (وإنما كسرت الباء ومن حق الحروف المفردة أن تفتح) المراد بالحروف حروف المعاني التي هي القسم الثالث من أقسام الكلمة، فإن الحروف وهي الأصوات المعتمدة على المخارج على قسمين: الأول حروف المباني وهي التي تتركب منها الكلمات وليست في أنفسها بكلمات لعدم كونها موضوعة لمعنى وذلك كحروف زيد وضرب، والثاني حروف المعاني كحروف الجر وواو العطف وفائه ونحوها وحروف المباني لما لم تكن كلمات في أنفسها لم يكن لها حظ من الإعراب والبناء لكونهما من خواص الكلمة بخلاف حروف المعاني فإنها كلمات مستقلة إلا أنها لما لم يتحقق فيها مقتضى الإعراب كان حقها البناء.
والأصل في البناء السكون لخفته فإن البناء لكونه حالة دائمة غير داخلة تحت أحوال مختلفة باختلاف العوامل اقتضى أخف الأحوال وهو السكون إلا أن السكون لما تعذر في حروف المعاني التي جاءت على حرف واحد من حيث إنها كلمات برأسها فجاز وقوعها في ابتداء الكلام، والابتداء بالساكن متعذر كان حقها أن تبنى على الفتحة التي هي أخت السكون في الخفة فإنها لكونها أدوات كثيرة الدور على الألسنة تستحق الأخف، وهذا وجه قوله: «ومن حق الحروف المفردة أن تفتح». إلا أن الباء الجارة كسرت في بسم الله مثلا لاختصاصها بلزوم الحرفية والجر أي لتمييزها وانفرادها من بين الحروف المفردة بلزومهما لها وامتناع انفكاك شيء منهما عنها فيكون اللزوم المذكور مختصا بها ومنحصرا فيها بناء على أن الباء في قوله: «بلزوم الحرفية والجر» داخلة على المقصور كما في قولك: نخصك بالعبادة لا على المقصور عليه كما في قولك: التعجب مختص بالإنسان، وكل من الحرفية والجر يناسب الكسر أما الجر فلتوافق حركة الحرف أثرها وعملها وإما الحرفية فلاقتضائها السكون الذي هو عدم الحركة، والكسر بمنزلة العدم لقلته إذ لا يوجد في الأفعال ولا في غير المنصرف من الأسماء ولا في الحروف إلا نادرا كجير فإن جعل كل واحد من لزوم الحرفية ومن لزوم الجر دليلا مستقلا على كون الباء مكسورة ينتقض الدليل الأول بواو العطف وفائه فإن الحرفية لازمة لهما مع أنهما ليستا مكسورتين، وينتقض الدليل الثاني بكاف التشبيه فإن الجر لازم لها وليست مكسورة فلذلك قيل: إن مجموع اللزومين دليل واحد على انكسار الباء حتى لا يرد النقض بما ذكر لانتفاء أحد اللزومين فيه فإن كاف التشبيه لا تلزمها الحرفية لجواز كونها اسما بمعنى المثل وإن لزمها الجر وكذا واو العطف وفاؤه لا يلزمهما الجر وإن لزمتهما الحرفية، ولما انتفى مجموع اللزومين عما ذكر من مواد النقض انتفى عنها الحكم المذكور وهو كونها مكسورة لكن بقي النقض بواو القسم وتائه وباللام الجارة الداخلة على
صفحه ۳۶