289

حاشیه بر تفسیر بیضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

ژانرها

إيمانهم لظهور مخايل نفرتهم عنه ودلائل استثقالهم الانقياد والمتابعة، وأن شياطينهم لا ينكرون مقالتهم التي تحكي ثباتهم على اليهودية، فكان القياس أن تكون الجملة التي خاطبوا بها المؤمنين اسمية مؤكدة والتي خاطبوا بها أهل دينهم عارية عن التأكيد. إلا أنه عكس ذلك لثلاثة أوجه: الوجه الأول أنهم عند مخاطبتهم المؤمنين إنما هم بصدد دعوى إحداث الإيمان الخالص فيكفي فيه ما يدل على مجرد الحدوث والتجدد من غير تأكيده بشيء من مؤكدات النسبة لأنه كلام ابتدائي في زعمهم وبالنظر إلى قصدهم وإنما يحتاج إلى التأكيد أن لو كانوا بصدد رد إنكار المؤمنين لما ادعوه من الإيمان ودفع ترددهم فيه وليس كذلك، بخلاف ما خاطبوا به شياطين دينهم من الثبات على ما كانوا عليه من اليهودية فإنهم محتاجون فيه إلى تحقيق الحكم وتقرير باسمية الجملة وتأكيدها ردا لما عسى أن يختلج في قلوب أهل دينهم من تردد نشأ من إحداثهم الإيمان عند المؤمنين في أنه هل هو من صميم قلوبهم أو أنه كلام أجروه على ألسنتهم فقط من غير مواطأة قلوبهم لها؟ والوجه الثاني أنهم لم يؤكدوا ما خاطبوا به المؤمنين لعدم الباعث والمحرك من جهتهم على تأكيده فإن ترك التأكيد كما يكون لعدم الإنكار فقد يكون لعدم الباعث والمحرك من جهة المتكلم ولعدم الرواج والقبول من السامع، وكذلك لتأكيد كما يكون لإزالة الشك ونفي الإنكار من السامع فقد يكون لصدق الرغبة ووفور النشاط من المتكلم فيما يورده من الكلام كما حكى الله تعالى عن المؤمنين قولهم: ربنا إننا آمنا فإنه لا يتصور أن يكون التأكيد فيه رد الإنكار ونفي الشك من المخاطب بل هو راجع إلى المتكلم وبيان حاله من إظهار نشاطه ووفور رغبته وارتياحه فيما أخبر به. وههنا لما لم يكن للمنافقين قوة اعتقاد وصدق رغبة في الإخبار عن أنفسهم بالإيمان ولم تساعدهم أنفسهم على ذلك لم يقولوا في مخاطبة المؤمنين «إنا مؤمنون» باسمية الجملة المؤكدة ب «إن» بخلاف ما قالوه في مخاطبة الكفار فإن لهم باعثا من عقيدة وصدق رغبة في إخبارهم بالثبوت على ما كانوا عليه من اليهودية، فلهذا جاء «آمنا» بالجملة الفعلية من غير تأكيد «وأنا معكم» بالجملة الاسمية مؤكدة ب «إن». والوجه الثالث أنهم لو قالوا في خطاب المؤمنين «إنا مؤمنون» كان ذلك منهم ادعاء كمال في الإيمان بتمكنه فيهم وثباتهم عيله ظاهرا وباطنا وهم لا يتوقعون رواج هذا الادعاء على المؤمنين ولا قبول المؤمنين إياه منهم، وكيف يقبل منهم ذلك وهم يخاطبون به المؤمنين من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله تعالى في التوراة والإنجيل بأوصاف دلت على رجحان عقولهم وشدة ذكائهم وصلابتهم في دين الله تعالى؟ فكيف يروج منهم ادعاء الكمال في الإيمان عليهم بخلاف ما خاطبوا به الكفار؟ فلذلك تركوا التأكيد مع خطاب المؤمنين ولم يتركوه في خطاب الكفار.

صفحه ۲۹۵