ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء. وسورة الكنز والوافية والكافية من قوله: مالك يوم الدين أي الجزاء المتناول للثواب والعقاب، ويرد على الأول أن يقال: لا يسلم أن اشتمال الفاتحة على قوله: أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم يستلزم اشتمالها على الوعد والوعيد وإنما يستلزمه أن لو وجب كون الإنعام مسبوقا بالوعد به والغضب والانتقام من العصاة مسبوقا بوعيدهم بذلك فاشتمال أنعمت عليهم على الوعد ودلالته عليه غير مسلم وكذا اشتمال الغضب بالقياس إلى الوعيد.
قوله: (أو على جملة معانيه) عطف على قوله: «ما فيه» فهو وجه آخر لتسميتها بأم القرآن أي أو سميت بذلك لاشتمالها على معاني القرآن جملة أي مجملة من غير تفصيل فإنها لما اشتملت على معاني القرآن مجملة على أحسن ترتيب ثم صارت تلك المعاني مفصلة في سائر السور نزلت منها منزلة مكة من سائر القرى حيث مهدت أرضها أولا ثم دحيت الأرض من تحتها فكما سميت هذه القرية أم القرى سميت تلك السورة أم القرآن قوله: (من الحكم النظرية والأحكام العملية) بيان لجملة معانيه وقوله: «التي» مع صلته في موضع الجر على أنه صفة جملة معانيه المبنينة بالحكم النظرية المقصود بها نفس المعرفة والأحكام العملية المطلوب بها نفس العمل وليس صفة الأحكام العملية وحدها، إذ لا يصح أن يحكم عليها بأنها سلوك الطريق المستقيم لأن السلوك المذكور هو العمل لا الحكم بالعمل فيحتاج إلى تقدير المضاف ويقال في تقدير المضاف في تقرير الكلام هي أحكام سلوك الطريق المستقيم نعم على تقدير كونها صفة لجملة معانيه يحتاج أيضا إلى أن يقال تقرير الكلام هي التي تفيد سلوك الطريق المستقيم و «ما» عطف عليه ومنهم من جعله صفة للأحكام العملية وحدها بتقدير المضاف أي أحكام سلوك الطريق المستقيم وجعل قوله: «هي سلوك الطريق المستقيم» ناظرا إلى الأحكام العملية، وقوله: «والاطلاع» ناظرا إلى الحكم النظرية على طريق اللف والنشر الغير المرتب ولا وجه له لأن سلوك الطريق المستقيم لا يختص بالأحكام العملية بل يتناولها والحكم النظرية أيضا. فإن استقامة الطريق كما تكون بالنظر إلى الأعمال تكون بالنظر إلى العقائد أيضا وكذا الاطلاع على مراتب السعداء للاقتداء بهم كما يشير إليه قوله تعالى: صراط الذين أنعمت عليهم [الفاتحة: 7] وعلى منازل الأشقياء للاتقاء عنها كما يشير إليه قوله تعالى: غير المغضوب عليهم ولا الضالين [الفاتحة: 7] لا يختص بالحكم النظرية بل هو من آثار الحكمتين وثمراتهما ومن جملة معانيهما، فلا وجه للحمل على اللف والنشر لا سيما غير المرتب. قوله: (وسورة الكنز والوافية والكافية لذلك) بنصب الثلاثة عطفا على أم الكتاب أي وسميت بذلك أيضا لاشتمالها
صفحه ۲۵