. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالحصول الذهني أو نظرًا إلى ما قوي عنده من تحقق الحصول وقربه نحو: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] وجملة هو ابن مالك معترضة بين قال ومقوله لا محل لها من
ــ
أرباب العربية، ألا ترى أنهم يجعلون وضع الضرب والقتل وضعا شخصيا لا نوعيا لجعل الموضوع أمرا متعينا لا متعددا. ا. هـ. ومثل أسماء الكتب أسماء التراجم بكسر الجيم كالخواتم والعوالم وكثير من الناس يضمها لحنا، بل وأسماء العلوم لأن مسمياتها وهي الأحكام المعقولة المخصوصة إنما تتعدد بتعدد التعقل. وهذا التعدد تدقيق فلسفي لا يعتبره أيضا أرباب العربية، هذا هو المتجه عندي وإن اشتهر الفرق فتأمل. والتنبيه لغة الإيقاظ، واصطلاحا جملة دالة على بحث يفهم إجمالا من البحث السابق قيل أو على بحث بديهي، فالترجمة به لما لم يفهم مما سبق ولم يكن بديهيا غير جارية على الاصطلاح كما هنا بل غالب تنبيهات الشارح من هذا القبيل فالمراد بها مطلق الإيقاظ الذي هو المعنى اللغوي. قوله: "أوقع الماضي موقع المستقبل" أي على سبيل المجاز. وقرينة هذا المجاز الخطبة على المقصود بدليل وأستعين الله. وكون المراد وأستعين الله على إظهار ألفية أو الانتفاع بها فلا ينافي تأخر الخطبة عن المقصود خلاف المتبادر وقوله تنزيلا لمقوله أي الذي سيحصل في الخارج منزلة ما حصل أي في الخارج. وعلل هذا التنزيل بعلتين ذكر الأولى بقوله أما اكتفاء أي في التنزيل بالحصول الذهني يعني أنه لما حصل في الذهن قوله نزله منزلة ما حصل في الخارج، فالجامع على هذه العلة مطلق الحصول، وذكر الثانية بقوله أو نظرا أي في التنزيل إلى ما قوي عنده إلخ يعني أنه لما قوي ما عنده من تحقق حصول قوله خارجا في المستقبل وقربه نزله منزلة الحاصل في الخارج فالجامع على هذه العلة تحقق الحصول، لكن لو قال الشارح في العلتين أما لحصول مقوله ذهنا أو لتحقق حصوله خارجا عنده لكان أخصر وأظهر. والذي أراه أن التنزيل في كلام النحاة بمعنى التشبيه في كلام البيانيين وأنه لا خلاف بينهما إلا في العبارة بل كثيرا ما يعبر البيانيون بالتنزيل والنحاة بالتشبيه، وأن التنزيل عند النحاة في مثل ما نحن بصدده لا يكفي عن التجوّز في اللفظ بل يقتضيه وإلا لزم أنهم يقولون بحقيقة كل لفظ استعمل في غير ما وضع له لتنزيله منزلة ما وضع له كالأسد في الرجل الشجاع المنزل منزلة الحيوان المفترس وهو في غاية البعد أو باطل. وبهذا مع ما قررنا به أولا كلام الشارح يبطل اعتراض البعض على الشارح بما حاصله: أن قوله أوقع إلخ لا يصح لا على طريقة النحاة لأن التجوز في مثل ذلك على طريقتهم إنما هو في التنزيل، ولا تجوز في الماضي فهو واقع موقعه لا موقع المستقبل، ولا على طريقة البيانيين لأنه لا تنزيل في مثل ذلك على طريقتهم بل فيه تشبيه أحد المصدرين بالآخر واستعارة الفعل، إلا أن يراد بالتنزيل التشبيه على المسامحة، واعتراضه بأن قول الشارح أما اكتفاء إلخ لا يصح أيضا لأن الاكتفاء المذكور لا يحتاج معه إلى التنزيل والعكس.
قوله: "من تحقق الحصول" أي وجوده وثبوته، وليس المراد بالتحقق التيقن لأنه لا يناسب قوله ما قوي عنده فتأمل. قوله: "معترضة" بكسر الراء وبفتحها على الحذف والإيصال
1 / 16