عباده وأمدهم بالعناية فأحسنوا لذاته العبادة وحفظوا شريعته وبلغوها عباده، وأشهد أن لا
ــ
يوحى إليهم"، وفي رواية أخرى: "من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه"، وفي رواية أخرى: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، قال بعضهم: هذا الحديث لا أصل له، ولكن معناه صحيح لما تقرر أن العلماء ورثة الأنبياء. قاله ابن حجر في "شرح الهمزية". قوله: " وأمدهم بالعناية ": أي قواهم بالعناية: أي بعنايته بهم يعني أنه اعتنى بهم: أي سهل لهم أفعال الخير والبر فتيسرت لهم. قوله: " فأحسنوا لذاته العبادة ": اعلم أن العبادة أعلاها أن تكون لذاته لا لطمع في جنة ولا خوف من نار حتى لو لم يكونا كان مستحقا للعبادة وهي رتبة الكاملين من العباد وهم وإن أرادوا الجنة فإنما يريدونها لكونها محل المشاهدة والزيارة لا للتلذذ بالمستلذات فإن ذلك عادة من ألفها في الدنيا وأوسطها أن يعبد للطمع في الجنة والخوف من النار، وأدناها أن يعبد ليتيسر أمور معاشه مثلا في دنياه، فالمراد حينئذ من خلاصة العباد ليس مطلق العلماء؛ لأن هذه الرتبة لا تثبت لجميعهم بل المراد الكاملون. وقوله: "فأحسنوا": عطف على أمدهم مع إفادة التفريع، والعبادة: هي مطلق الطاعات، وفرق شيخ الإسلام بين العبادة والطاعة والقربة: فالأولى ما تتوقف على معرفة المعبود مع النية، والثانية: امتثال الأمر والنهي عرف الآمر والناهي أم لم يعرف. والثالثة: ما تتوقف على معرفة المتقرب إليه وإن لم تتوقف على نية كالعتق، فأخصها العبادة، وأعمها الطاعة لانفرادها في النظر الموصل إلى معرفة الله تعالى. قوله: " وحفظوا شريعته " أي: من كلا المبطلين والزائغين فهي مستورة بهم لا يقدر أحد على خرق منيع حجابها وحفظوها أيضا بتقريرها والعمل بها، والشريعة فعلية بمعنى مفعولة، وهي: الأحكام المشروعة، وهي النسب التامة المتعلقة بكيفية الأعمال قلبية وجوارحية: كثبوت الوجوب للنية في نحو الصلاة وثبوت السنية للمضمضة وثبوت الحرمة لبيع الغرر ونحو ذلك. قوله: " وبلغوها عباده ": عطف مغاير فإنه لا يلزم من الحفظ التبليغ أو من عطف الخاص إن أريد بالحفظ ما يعم الحفظ بالتقريركما مر وخصه لمزيد نفعه لقيام الأمر به. وقالوا: إن العالم لا يجب عليه السعي ويسأل العالم فإذا سأله وجب عليه السعي إلى الجاهل لإزالة جهله؛ وإنما يجب على الجاهل أن يسعى ويسأل العالم فإذا سأله وجبت إجابته ووجت إرشاده. قوله: " وأشهد أن لا إله إلا الله ": أي: أصدق بقلبي وأقر بلساني مع الإذعان والانقياد أنه لا إله إلا الله، والإتيان بهما في الخطب مطلوبة لخبر أبي داود والترمذي والبيهقي وصححه مرفوعا: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" أي قليلة البركة، كذا في شرح المواهب، والقول الجامع المندفع عنه الموانع في معناها: أنه لا معبود مستحق للعبادة إلا الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد في الواقع، كما قاله العصام في "الأصول". قال السنوني: وإن شئت قلت: لا مستغني على العموم ولا مفترق إليه على العموم إلا الله ﷿. قال: وهذا المعنى أظهر من الأول وأقرب منه، وهو أصل له؛ إذ لا يستحق أن يعبد: أي يذل له كل شيء إلا من كان مستغنيا عن كل
1 / 8