يخفى بعدهما (الغرة) البياض في جبهة الفرس يقال شدخت الغرة اتسعت (والتحجيل) البياض في قوائمه يقال فرس محجل، وقد حجلت قوائمه تجيلا، وهو أعني الغرة والتحجيل مستعاران ههنا للشرف والكمال، كما أن الشدوخ والوضوح مستعاران لاشتهارهما، فقد أشير إلى اشتهار جميع أنواع فضائله وكمالاته من قرنه إلى قدمه، وتستعمل الغرة وحدها في الشرف مستعارا مشهور، يقال رجل أغر: أي شريف، وفى الاشتهار وفى الامتياز مجازا مرسلا كقوله * مبارك الاسم أغر اللقب * أي مشهور اللقب دون التحجيل وحده. وأما قوله عليه الصلاة والسلام " أن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فالظاهر منه أن المراد الأنوار المتلألئة من آثار الوضوء على تلك المواضع، وقد يحمل على امتيازهم واشتهارهم بين الأمم في ذلك اليوم بسبب هذه العبادة، و (الأمي من لا يكتب منسوب إلى أمة العرب المشهورين فيما بين الأمم بعدم الخط والكتابة أو إلى أم القرى لأن أهلها كانوا شهر بذلك، أو إلى الأم: أي كما ولدته أمه، وكونه عليه الصلاة والسلام أميا صفة مدح له تشهد بنبوته وتنفى ارتياب المبطلين، حيث أتى بالعلوم الجمة والحكم الوافرة وأخبار القرون الخالية بلا تعلم خط واستفادة من كتاب، وقد طابق بين الأمي والمكتوب: أي ليس بكاتب بل هو مكتوب (قوله وعلى آله) أراد أهل بيته لتبادره عند الإطلاق، و (الأطهار) جمع طهر بمعنى طاهر كعدل بمعنى عادل، فإن فاعلا لا يجمع على أفعال كما نص عليه الجوهري (من الأختان والأصهار) في الصحاح أن الختن عند العامة: زوج الابنة، وعند العرب: كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ. والصهر أهل بيت المرأة، وأراد الزمخشري بالأختان متعارف العامة، وبالأصهار حقيقته، وتقديم الأختان للسجع، ومن للتبعيض لأن الخلفاء الراشدين كانوا بعض أصهاره وأختانه، وجاز أن تجعل للبيان لأن أقل الجمع عنده اثنان (وعلى جميع المهاجرين والأنصار) أي على جميع الصحابة، كما يقال الله خالق السماوات والأرض: أي خالق كل شئ، وفى تخصيص الخلفاء من بينهم وتقديمهم عليهم تنويه بشأنهم (قوله اعلم أن متن كل علم) شرع في فن آخر من الكلام فلذلك فصله عما تقدمه، وإنما صدره بالأمر مؤكدا بأن حثا على التشمر لتحقيقه، فإنه أساس لما هو بصدده من انحصار بيان تفاوت الرتب في النكت. والمتن هو الظهر، وهو قوام البدن ينبنى علها سائر أعضائه، فاستعير لأصل العلم وهو أمهات مسائله، إذ يتقوم بها نكته ولطائفه. والعمود: الخشبة التي في وسط الخيمة يستند إليها قيامها، فاستعير لعمدة الصناعة لأنه يتفرع عليها شعبها ودقائبها. والعالم إن لم يتعلق بكيفية عمل كان المقصود في نفسه ويسمى علما، وإن كان متعلقا بها كان المقصود منه ذلك العمل، ويسمى صناعة في عرف الخاصة وينقسم إلى قسمين: ما يمكن حصوله بمجرد النظر والاستدلال كالطب مثلا، وما لا يمكن حصوله إلا بمزاولة العمل كالخياطة. وهذا القسم يخص باسم الصناعة في عرف العامة. والوجه في التسمية على العرفين أن حقيقة الصناعة صفة نفسانية راسخة يقتدر بها على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض على وجه البصيرة بحسب الإمكان كما يشعر به كلام المصنف حيث قال: كل عامل لا يسمى صانعا ولا كل عمل يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرب، ولا شك أن العمل المقصود من العلم لا يتم كماله إلا بأن يتمرن صاحبه في ذلك العلم ويصير العمل ملكة له، ولما كان علم التفسير مشتملا على المعارف الإلهية والأحكام العملية جاز أن يطلق عليه كل
صفحه ۱۲