كما أن المعتزلة له عندهم من الحمد بلا ملك تام؛ إذ كان عندهم يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، وتحدث حوادث بلا قدرته.
وعلى مذهب السلف، له الملك وله الحمد تامين، وهو محمود على حكمته، كما هو محمود على قدرته ورحمته.
وقد قال: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨]، فله الوحدانية في إلهيته، وله العدل، وله العزة والحكمة.
وهذه الأربعة إنما يثبتها السلف وأتباعهم، فمن قصر عن معرفة السنة، فقد نقص الرب بعض حقه.
والجهمي الجبري لا يثبت عدلا ولا حكمة، ولا توحيد إلهية، بل توحيد ربوبيته.
والمعتزلي أيضًا لا يثبت في الحقيقة توحيد إلهية ولا عدلا في الحسنات والسيئات، ولا عزة ولا حكمة في الحقيقة، وإن قال: إنه يثبت الحكمة بما معناها يعود إلى غيره. وتلك لا يصلح أن تكون حكمة، من فعل لا لأمر يرجع إليه، بل لغيره هو عند العقلاء قاطبة بها ليس بحكيم، بل سفيه.
وإذا كان الحمد لا يقع إلا على نعمة، فقد ثبت أنه رأس الشكر، فهو أول الشكر.
والحمد وإن كان على نعمته وعلى حكمته، فالشكر بالأعمال هو على نعمته، وهو عبادة له لإلهيته التي تتضمن حكمته، فقد صار مجموع الأمور داخلا في الشكر.
ولهذا عظم القرآن أمر الشكر، ولم يعظم أمر الحمد مجردًا؛ إذ كان نوعًا من الشكر.
1 / 76