والمقصود هنا أن الله تعالى منعم بهذا كله، وإن كان لا يظهر الإنعام به في الابتداء لأكثر الناس، فإن الله يعلم وأنتم لا تعلمون، فكل ما يفعله الله فهو نعمة منه.
وأما ذنوب الإنسان، فهي من نفسه، ومع هذا فهي مع حسن العاقبة نعمة، وهي نعمة على غيره بما يحصل له بها من الاعتبار والهدى والإيمان؛ ولهذا كان من أحسن الدعاء قوله: " اللهم لا تجعلني عبرة لغيري، ولا تجعل أحدًا أسعد بما علمتني منى ".
وفي دعاء القرآن: ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥]، و﴿لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الممتحنة: ٥]، كما فيه: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤] أي: فاجعلنا أئمة لمن يقتدي بنا ويأتم، ولا تجعلنا فتنة لمن يضل بنا ويشقي.
و" الآلاء " في اللغة: هي النعم، وهي تتضمن القدرة.
قال ابن قتيبة: لما عدد الله في هذه السورة سورة الرحمن نعماءه، وذَكَّر عباده آلاءه ونبههم على قدرته، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين نعمتين، ليفهم النعم ويقررهم بها.
وقد روى الحاكم في صحيحه والترمذي، عن جابر، عن النبي ﷺ قال: قرأ علينا رسول الله ﷺ الرحمن حتى ختمها، ثم قال: " مالي أراكم سكوتا؟ لَلْجِنُّ كانوا أحسن منكم رَدّا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد ".
والله تعالى يذكر في القرآن بآياته الدالة على قدرته وربوبيته،
1 / 74