وكل من هذين المعنيين مراد، يقال: هذا نذير أنذر بما أنذرت به الرسل والكتب الأولى.
وقوله: ﴿مِّنَ النُّذُرِ﴾ أي:من جنسها، أي رسول من الرسل المرسلين.
ففي المخلوقات نعم من جهة حصول الهدى والإيمان، والاعتبار والموعظة بها. وهذه أفضل النعم.
فأفضل النعم نعمة الإيمان وكل مخلوق من المخلوقات فهو الآيات التي يحصل بها ما يحصل من هذه النعمة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [يوسف: ١١١]، وقال تعالى: ﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ [ق: ٨] .
وما يصيب الإنسان، إن كان يَسُرُّه فهو نعمة بينة، وإن كان يسؤوه فهو نعمة من جهة أنه يُكَفِّر خطاياه، ويثاب بالصبر عليه. ومن جهة أن فيه حكمة ورحمة لا يعلمها ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦]
وقد قال في الحديث: " واللَّهِ، لا يَقْضِى اللَّهُ للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له، إن أصابته سَرَّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضَرَّاء صبر، فكان خيرًا له ". وإذا كان هذا وهذا، فكلاهما من نعم الله عليه.
وكلتا النعمتين تحتاج مع الشكر إلى الصبر.
أما نعمة الضراء، فاحتياجها إلى الصبر ظاهر، وأما نعمة السراء، فتحتاج
1 / 72