وموالاة أوليائه أمور موجودة في القلب، وعلى اللسان والجوارح، وهي تحقيق قول " لا إله إلا الله "، وهو إثبات تأليه القلب لله حبًا خالصًا وذلا صادقًا، ومنع تأليهه لغير الله، وبغض ذلك وكراهته، فلا يعبد إلا الله، ويحب أن يعبده، ويبغض عبادة غيره ويحب التوكل عليه وخشيته ودعاءه، ويبغض التوكل على غيره وخشيته ودعاءه.
فهذه كلها أمور موجودة في القلب، وهي الحسنات التي يثيب الله عليها.
وأما مجرد عدم السيئات، من غير أن يعرف أنها سيئة، ولا يكرهها، بل لا يفعلها لكونها لم تخطر بباله، أو تخطر كما تخطر الجمادات التي لا يحبها ولا يبغضها، فهذا لا يثاب على عدم ما يفعله من السيئات، ولكن لا يعاقب أيضًا على فعلها، فكأنه لم يفعلها، فهذا تكون السيئات في حقه بمنزلتها في حق الطفل والمجنون والبهيمة، لا ثواب ولا عقاب.
ولكن إذا قامت عليه الحجة بعلمه تحريمها؛ فإن لم يعتقد تحريمها ويكرهها وإلا عوقب على ترك الإيمان بتحريمها.
فصل
وقد تنازع الناس في الترك: هل هو أمر وجودي أو عدمي؟ والأكثرون على أنه وجودي.
وقالت طائفة كأبي هاشم بن الجبائي: إنه عدمي، وأن المأمور يعاقب على مجرد عدم الفعل، لا على ترك يقوم بنفسه، ويسمون " المذمية "؛ لأنهم رتبوا الذم على العدم المحض.
والأكثرون يقولون: الترك أمر وجودي، فلا يثاب من ترك المحظور إلا على ترك يقوم بنفسه. وتارك المأمور إنما يعاقب على ترك يقوم بنفسه، وهو أن يأمره الرسول ﷺ بالفعل فيمتنع، فهذا الامتناع أمر وجودي؛
1 / 55