وتارة لا يقدحون في الأصل، لكن يقدحون في القضية المعينة، فيقولون: هذا بسوء تدبير الرسول، كما قال عبد الله بن أُبَيّ بن سلول يوم أُحُد إذ كان رأيه مع رأى النبي ﷺ ألاّ يخرجوا من المدينة فسأله ﷺ ناس ممن كان لهم رغبة في الجهاد أن يخرج، فوافقهم، ودخل بيته ولبس لأمَتَه فلما لبس لأمته ندموا، وقالوا للنبي ﷺ: أنت أعلم، فإن شئت ألاّ نخرج، فلا نخرج فقال:" ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها، حتى يحكم الله بينه وبين عدوه " [واللأمة: الدرع، وقيل: السلاح. ولأمة الحرب: أداته] يعنى: أن الجهاد يلزم بالشروع، كما يلزم الحج، لا يجوز ترك ما شرع فيه منه إلا عند العجز بالإحصار في الحج.
فصل
والمفسرون ذكروا في قوله: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ﴾ [النساء: ٧٨] هذا وهذا.
فعن ابن عباس، والسدي، وغيرهما: أنهم يقولون هذا تشاؤمًا بدينه.
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: بسوء تدبيرك يعنى كما قاله عبد الله بن أبى وغيره يوم أحد وهم كالذين ﴿قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] .
فبكل حال قولهم: ﴿مِنْ عِندِكَ﴾ هو طعن فيما أمر الله به ورسوله من الإيمان والجهاد، وجعل ذلك هو الموجب للمصائب التي تصيب المؤمنين المطيعين، كما أصابتهم يوم أحد. وتارة تصيب عدوهم، فيقول الكافرون: هذا بشؤم هؤلاء، كما قال أصحاب القرية للمرسلين: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ [يس: ١٨]، وكما قال تعالى عن آل فرعون: ﴿فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ
1 / 34